عن الهيبة
ثمة تحول غريب جدا في المظهر العام لهيبة الدولة ، ولا أحد ينكر بأننا نمر بمنعطف خطر في فهم هيبة الدولة وضرورتها.
وبرأيي أن السبب مرتبط بتغيير مسلكياتنا في التعامل حتى مع أنفسنا :
مثلا :
1. زمان كنا ننظر إلى انفسنا فنجدها ذات دور مهم وبناء في المجتمع خاصة من منظار الحياة الاجتماعية والسياسية والارتباط الشخصي بالدولة ومؤسساتها ، أبو فلاح مثلا كانت كلمته لا تصبح ثنتين ، ويكفي أن تذهب إلى أي مسؤول أو أن تراجع أي دائرة وتقول لهم انك من طرف أبو فلاح لتفتح لك كل الابواب على مصراعيها .
للعلم المسالة لم تكن فسادا انما كانت احترام لهيبة أبو فلاح وهيبته جزء من هيبة الدولة أنذاك .
اليوم الوضع أصبح مختلفا ، فقد اصبحنا وأصبح أبو فلاح مجرد رقم ومكلف ضريبي "وعنز " الهدف منه " الحلب " قدر الامكان.
2. زمان كان لجملة " بتعرف مين أنا " أو جملة " إنت ما بتعرف مع مين بتحكي " ، أثرها في النفوس ومصدر خوف ورهبة لسامعها ممتزجة بنوع من الاحترام ، أما اليوم فربما قليلا ما تتردد هذه الجمل ، كون الجميع أصبح في الهوا سوا.
هذا برايي أن كان جيدا إلا أنه زاد كثيرا عن حده ، خاصة إذا كان الرد " إن شاء الله تكون رئيس الوزراء " أو مين كاين يعني " رئيس الوزراء ".
3. زمان كان مرور شرطي من الشارع كافيا " لصمده " ساعة كاملة كي ينظروا إليه الأطفال والكبار على السواء ويقوموا بالسلام عليه وتأمل مظهره وشكله وزيه ، وثمة أيمان كثيرة تصدر عن الرجال الموجودة من أجل أن يتناول معهم الشرطي كاسة شاي أو يشرف منزلهم بالدخول .
4. زمان كان أصحاب الدولة يرتدوا شمغا مهدبه وأحيانا ومن باب التغيير يقوم أحدهم بارتداء دشداشة ويتحزم بجناده للقيام بزيارة رسمية ما ، وقتها يمكن أن تجزم بأنه قادر على دق اللصمة كلما تأوه الأردن أو ون .
مع مرور الزمن نسلت الشمغ ، واستبدل " البرشوت " بسنسال كارتير .
جميعنا يتذكر أن هناك طعما غريبا كان في الحليب الذي أرضعته اياه أمه ، عندما كبرنا عرفنا بأن هذا الطعم هو طعم الأرض والوطن ، لذا نحن للأردن عاشقين وكما يخاف العاشق على عشيقته نخاف عليه . وكما يشتاق نشتاق .
لذا أنا مشتاق جدا للشمغ المهدبة بأنامل ما زالت آثار وخز الابر فيها ، مشتاق لابو فلاح وللشرطي " المصمود داخل القلب والعين " ، ومشتاق أكثر لأن أقول لأحدهم " انت بتعرف مين أنا ؟!