بين الهذيان والحوار !

في مقهى تونسي على شاطىء البحر، دار حوار بيني وبين صديق عربي شديد الانفعال لا الفعل بحضور صديق فرنسي، وعندما جاء دور امريكا في الحوار وهذا أمر لا فرار منه صاح صاحبي العربي قائلاً أمريكا تحت حذائي، عندئذ ضحك الفرنسي وأمسك صاحبنا من ركبته ورفع قدمه قليلاً عن الارض ليقول له: تمهل ان ما تحت حذائك هو رمل عربي أما الولايات المتحدة فهي في مكان آخر.
بالطبع لم يقع صاحبنا في خطأ جغرافي، لكن قوة التاريخ أحياناً تنسينا الجغرافيا أو تطردها من الحوار رغم كل ما لها من ديكتاتورية بحيث توصف أحياناً بأنها التاريخ، وقد تصلب وأصابه التخثر فتحول الى تضاريس!
وليس مهماً ما الذي كان يهجع تحت حذاء صاحبنا، لأن الأهم هو الأساليب التي أدمناها في الحوار حتى لو كان هذا الحوار بحضور أشخاص من ثقافات أخرى، وليس لهم جمل أو ناقة في قضايانا، اللهم الا كونهم منحازين للعدالة والضحية لأسباب محض أخلاقية!.
لقد أصابنا نحن العرب ضرر كبير كانت له تداعيات لا آخر لها من خلال خطاب منفعل نتوجه به الى شعوب مختلفة في المفاهيم والحساسية ومجمل الثقافة.
فالعربي عندما يتحدث الى اوروبا أو امريكا حتى لو كان مسؤولاً يتورط في ما نسميه اياك أعني واسمعي يا جارة، ففي ذهنه العرب أنفسهم لن يصغون اليه، لهذا يحتكم الى عاداتهم الذهنية وعواطفهم ويسعى الى استرضائهم وتدليك نرجسيتهم الجريحة، فينسى أن هناك آخرين لهم ثقافة مغايرة ومفاهيم من طراز مختلف، وهذه ليست مفاضلة استشراقية بين شرق وغرب أو عرب وأمريكان، بل هو الاختلاف الذي يجب أن نقرّ به والا تحول الديالوج الى مونولوج، وصرنا نحدث أنفسنا فقط ونطرب لأصواتنا!.
والحذاء العربي سواء كان للطنبوري كما في التراث الشعبي أو لصحفي عراقي لم يحتمل وجود بوش على أرض بلاده بعد انتهاكها هو في النهاية مجرد حذاء.. وبالمناسبة فإن هناك مثلاً انجلوساكسونيا يقول ضع نفسك في حذاء الآخر أي مكانه لتشعر بما يشعر به. وبالطبع ما من عربي تجرأ على ترجمة هذا المثل حرفياً.. لأن نظرتنا كعرب للحذاء ذات وضع خاص رغم ان الأحذية تعرض في بلادنا خلف واجهات زجاجية أنيقة وتوضع في علب محكمة الاغلاق، رغم ان الخبز والأطعمة والحلوى تباع على الارصفة في الهواء غير الطلق على الاطلاق!.
اسوأ ما يتكرر لدينا كعرب هو اعتقادنا بأن العالم برمته يشبهنا ثقافة وفهماً للحوار، لهذا تختار بعض صحفنا العربية مقالات عبرية ناقدة لاسرائيل وسياساتها وجنرالاتها ناسين أن هناك مقالات أخرى هي أضعاف هذه تقف على الشاطىء الآخر، وحتى الآن لدينا تصورات عجيبة حول اختلافات الآخرين بأنها اتفاقيات سرّية وبالتالي مؤامرات.
ويبدو أن فائض الديكتاتوريات يعمي ضحاياها عن أي شيء آخر فترى العالم كله على غرارها وفي مراياها!!. ( الدستور )