فـي المسألــة السـورية
إن ما رُشح في تقارير المراسلين العرب والأجانب خلال الأسبوع الماضي عن الوضع في الشقيقة سوريا والأطراف المشاركة في الحرب ضد النظام هناك جعل الأمر واضحاً وبما لا يدع مجالاً للشك ولا موضعاً للتساؤل أن سوريا تتعرض لمؤامرة دولية تستهدف إشاعة الفوضى وتحويل سوريا إلى عراق أو صومال آخر في حال تمكنت هذه القوى المجتمعة من النظام السوري ، ولم يعد خافياً على أحد أن القوى التي ساهمت في تدمير العراق وصوملة الصومال ولبننة لبنان هي نفس القوى التي تتدافع بقوة لإسقاط النظام وتكريس الفوضى وتكرار السيناريو الليبي !!! وعلى الجانب الآخر يقف النظام السوري مدعوماً بقوى إقليمية ودولية كبيرة لا تقل أهمية عن الدول الداعمة لثوار سوريا الذين باتوا موضع شك ، أيضاً وبعد سماع شهود العيان فلم يُقصّر أياً من الجانبين في ارتكاب أفظع الجرائم وأبشعها ، ولم يقتصر هذا على شَبيحة النظام وازلامه فقد كان للجيش الحر وشيعته ما سمعنا من جرائم القتل والتعذيب وما شاهدنا على الفيديو لِكِلا الفريقين بما لا يُبرأ طرفاً وبما يجعل الحليم حيراناً ويجعل الإصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك اشتراكاً في الجرم، وعليه فإن الموقف الحكيم يقتضي التدخل لإنهاء الفتنة وإزالة أسبابها بالطرق السلمية والدبلوماسية وبما يُطفئ النار ولا يزيدُها اشتعالاً لمن أراد التدخل في هذا الصراع ؟؟!!!.
بالنسبة للوضع الأردني ؟؟! لسنا بحاجة للذهاب للقاضي للقول بأننا كنظام وحكومات أقرب فكرياً وسياسياً للمعسكر الغربي الخليجي الذي يقف بقوة ضد النظام السوري حتى بتنا نرى أكثر من جيفارا في المشهد ، وبات دعم الثورة السورية ديدن الكثيرين ممن كانوا ينتفضون وترتعد فرائصهم لدى سماعهم هذه الكلمة،وفجاءةً اصبحت سهلة ومقبولة ومتداولة واصبح دعم الثورات وقلب الأنظمة الشُغل الشاغل لبعض الحكام المعروفي الأجندة والتوجه بما يجعل مُجمل الربيع العربي مَثار شكٍ إن كان هناك ربيع !!!.
لا شك أن الأصدقاء من باب الأمل والرجاء والترغيب والترهيب يمارسون أساليبهم لاجتذاب الأردن كشريك في حربهم الشعواء على الرئيس بشار ونظامه في حرب مذهبية تخطط لها اسرائيل وامريكا بهدف إبقاء المنطقة رهن الجهل والتخلف والإعتماد على الآخر ولاشك أن الزيارات المكوكية للسياسين والعسكرين من امريكا والخليج على السواء تصبُ في هذا الاتجاه !! ولأظنُ أن الأردن إذا استحضر التاريخ والجغرافيا والمصالح الأُستراتيجية في الحاضر والماضي والمُستقبل أيضاً سيستجيب لهذه التطلعات وأن التلويح
بالمساعدات التي باتت الأردن في أمس الحاجة لها بعد أن قادتنا السياسات الفاشلة للحكومات لنكون رهينة للمساعدات والإملاءات ستقبل بأن تشارك في الإساءة لأي كان فقد كان الأردن دائماً مُحايداً مُنحازاً لقضايا أُمته وعوناً لها، ولازال العالم يَذكر وقوف الراحل العظيم ومن خلفه الشعب الأردني ضد التدخل الأجنبي في الشأن العراقي عام 90م وذلك لبعد نظره وقراءته للمستقبل ولما سيحدث من شرخ مفصلي في التضامن العربي وما سيتبعه من شروخ وتشرذم وفُرقة وضعف وضياع لآمال الأمة بحيث لن تقوم لها قائمة وهذا ما كان وما نراه الآن!!!.
إن الأردن شريك أمني وسياسي وإقتصادي وجغرافي لسوريا، ويُشكل الشطر الجنوبي لسوريا الطبيعية ، والأردني لا زال يدعي بالشامي في كافة الدول العربية فنحن جزء من بلاد الشام شئنا أم أبينا ولا انفكاك لنا ولا نستطيع إن ِشئنا!!..
الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ، لا مصلحة للأردن في الانحياز إلى طرف في النزاع السوري القائم مهما كانت الأسباب والدوافع، إنها مؤامرة لم تعد خافية على أحد ، الأردن يجب أن يلعب دور الوسيط النزيه للخروج من المأزق الذي لن يمر إلا بالحكمة التي اعتادها الأردن ، والقضية السورية قضية داخلية أردنية لن تمر على الأردن بسلام ما لم يتحلى الأردن بحكمته المعهودة والتي استطاع بموجبها المرور بكل الأزمات المماثلة .
الرد على النيران السورية التي تُطلق بإتجاه الأردن يجب أولاً معرفة مصدر النيران هل هي من الجيش الحر؟! أم من القوات النظامية ؟! ونحن نعلم أن أجزاء من درعا والتي تقع في مواجهة الأردن تقع تحت سيطرة الجيش الحر ، إن الإيعاز للقوات الأردنية بالرد على مصادر النيران والتي قد تطلق في معركة بين الفريقين يدخل الأردن طرفاً في النزاع ما مصلحة النظام السوري في فتح الجبهة الأردنية هي بالتأكيد مصلحة الجيش الحر والمعسكر الغربي الخليجي والذي يطلب من الجيش الحر إطلاق النار بإتجاه الأردن وهي خطة لزج الأردن في الصراع ضد مصالحه الحيوية والأُستراتجية، وإذا حدث هذا فإن الأردن يغامر بكل مقوماته لأنه سيكون الخط الأمامي وساحة المعركة فيما لو حدثت تطورات إقليمية للحرب تتمثل في دخول أطراف إقليمة قوية كتركيا والعراق وإيران التي لن تقف مكتوفة الأيدي كما صَّرحت مُؤخراً ، وليس هناك عاقل يُصدق أن سوريا ترغب في فتح الجبهة الأردنية إضافةً للجبهات المفتوحة !! وليس هناك عاقل يَقبل أن نقف مع هذا الحشد ضد سوريا شاهرين سلاحنا ضدد الشريك الأمني الإقتصادي الإجتماعي وهو يُكابد كل هذه المعاناة ، ونحن نعلم أن 63% من تجارة الأردن كانت تمر عبر سوريا، لماذا لا تكون الأردن وسيطاً نزيهاً بين أطراف النزاع للحفاظ على مصالحها الحيوية في الحالين؟؟!.
لن يسمح حُلفاء النظام السوري للأسد بالتنحي حتى لو أراد ذلك ، وهم مستعدون كأطراف إقليمية قوية خوض معركة حياة أو موت ، لأنهم يعلمون أن استهداف سوريا هو استهداف لهم ، كما أن روسيا لن تسمح بسقوط النظام السوري، وهي الآن عملياً تتواجد عسكرياً وبكثافة إضافةً إلى الصين ، وهناك شراكة صينية روسية بهدف الحفاظ على مصالح البلدين وليس للدفاع عن هذا الطرف أو ذاك !! وأن المُراهنة على تغير الموقف الروسي ضرب من العبث واذا أحس الإيرانيون بقرب انهيار النظام فسيديرون المعركة وسيكون الشرق الأوسط والخليج مسرحها !!!..
ولن تتدخل امريكا أو اسرائيل لأن روسيا والصين ستتدخلان أيضاً ولن تُغامر امريكا بإسرائيل وبإشعال حرب عالمية ثالثة مع عدم استبعاد هذا الإحتمال ، لذلك نُكرر أن الأردن يجب أن يَنأى بنفسه تماماً عن الإصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك ، فليس لنا مكان في هذا الصراع الدامي ولن نُخاطر بالأردن من أجل عيون أحد، والجيش العربي الأردني لن يوجه بندقيته إلا لأعداء الأمة الذين نعرفهم جميعاً.