بين (ليلى) و(أليسار)

لم يلفتنا صدور كتاب (هذه حقيقتي) لليلى زوجة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين، قبل أسابيع في فرنسا. ليس لأننا لم نعتد أن نقرأ كتب الهاربين الذين غمرهم وجللهم غبار الهزيمة، بل لأننا عرفنا حقيقة ليلى وزوجها، وعرفنا أكثر حقيقة كل طغاة الأرض، من أول النمرود في نينوى، إلى بشار طاغية الشام.
فمثل ومضة شهاب خبا واختفى، نسي التاريخ هذه الليلى، حتى ولو أرادت أن تبقى على قيد الذاكرة بإصدار كتاب أو مجلد أو فضائية تجلو صورتها، فالطغاة وأشباههم من المستبدين الجشعين يمرون مرور الكلام العابر. أما ما يمكث في لسان الناس والتاريخ، فهو البطولة، والمجد والمحبة، والشجاعة في صنع الحياة، بأبهى معانيها.
وإن كان التاريخ سينسى ليلى، فلن يجرؤ أن ينسى (أليسار)، فبعد ما يقرب الألفين وثمان مائة سنة ما زلنا نتذكر هذه الأميرة الفينيقة ابنة ملك صور، نتذكر شجاعتها وعنادها وصلابتها، حين حملت حلمها العنفواني، وفرت من بطش أخيها (بغماليون)، برفقة عدد كبير من أنصارها، إلى ما سيعرف لاحقاً بتونس، وكان يحكمها الأمازيغ (البربر)، لتؤسس مملكتها هناك.
وكما تقول الأسطورة، فقد رفض ملك تلك الديار أن يبيعها أرضاً، إلا بحجم جلد ثور. فقبلت العرض، وأمرت بقص جلد الثور خيوطاً دقيقة جداً جداً، فتهيأت لها من طول تلك الخيوط مساحة كبيرة بنت عليه مدينتها الحالمة بالمجد، والتي أطلقت عليها اسم (قرت حدشت)، وتعني بالفينيقية المدينة الجديدة. والتي ستصبح فيما بعد قرطاج.
وراحت قرطاج تكبر وتتسع حتى غدت المدينة العظيمة، التي نشرت الحضارة الفينيقية في شمالي أفريقية، وحوض المتوسط، وصولاً لإسبانيا وأبعد. ويخرج من رحم هذه المدينة واحد من أعظم أبطال التاريخ على الإطلاق. يخرج (هاني بعل) أو حنبعل، بكل ذكائه وطموحه كونه صاحب أعتى مغامرة عسكرية عرفها التاريخ، مغامرة ما زالت للآن تدهش الدنيا حين عبر بجيش من الفيلة من إسبانيا مرورا بجبال البيرينيه حتى وصل تخوم روما وحاصرها مهدداً عرشها.
واليوم وبعد كتاب ليلى زين الهاربين، نتذكر أليسار بكل وقار، ونذكر قرطاج العظيمة، ولن نأبه بحقيقة ليلى وأمثالها من الطارئين على حياة الشعوب، فالمجد للعظماء الذين امتلكوا حلم البطولة، وليس للطغاة الجبناء، حتى ولو علوا في الارض علوا كبيرا إلى حين. ( الدستور )