الانتخابات النيابية: معركة في الكواليس لاستعادة مصداقية الدولة
المدينة نيوز - لا يمكن قراءة الموقف الجريء الذي اتخذته الهيئة المستقلة لادارة الانتخابات الاردنية الاسبوع الماضي عندما ظهرت اول مخالفة قانونية في البعد الاجرائي وفقا لقياسات اي موقف سياسي متعلق بقانون الانتخاب او حتى توقيت اجرائها المقرر قبل نهاية العام الحالي.
بعيدا عن الاعتبارات السياسية سجلت الهيئة بشجاعة بعض السوابق عندما اعترفت علنا بحصول مخالفة قانونية وسارعت لمعالجتها والاهم تحدثت لاول مرة عنها بشفافية للرأي العام.
بدا الامر عمليا عندما ابلغت ادارة الاحوال المدنية بفقدان نماذج تخص نحو اربعة الاف بطاقة انتخابية مستجدة كان يفترض ان تصل احدى المحافظات الجنوبية.
خلافا لما اعتاد عليه الاردنيون سارع رئيس الهيئة عبد الاله الخطيب للتحدث علنا عن المشكلة وتجنب اخفائها متجاوزا كل انماط التدليس والتضليل البيروقراطية المعتادة.
فوق ذلك اتخذ الخطيب بموجب صلاحياته القانونية المخولة قرارا سريعا بدون مراجعة جهات اخرى والغى البطاقات المفقودة من السجلات ونشر للجمهور ارقامها ملوحا بالمساءلة القانونية لكل من يحاول استعمال هذه النماذج التي شطبت وخرجت من السجلات قبل ان يبدأ تحقيق معمق بالحادثة.
طبعا لم تتضح بعد ظروف وملابسات هذه السرقة المبكرة لنماذج انتخابية لكن الهدف خلف الكواليس بالنسبة للاعب مخضرم ومحنك من وزن الخطيب واضح تماما فهو يقول ضمنيا لكل الاطراف داخل جهاز الدولة وخارجه ما مضمونه على الطريقة الامريكية 'ثمة شريف جديد في المدينة ' ويحاول بنفس الوقت تسجيل سوابق تقنع الناس بأن مؤسسة النظام قررت فعلا هذه المرة بأنه لا مجال للعبث في اي تفصيلات اجرائية لها علاقة بملف الانتخابات.
الخطيب نفسه وبعد محادثة سريعة مع 'القدس العربي ' رفض اعتبار هذا الاجراء منجزا يستوجب الاحتفال لان الهيئة ببساطة شديدة تقوم بواجبها الطبيعي مصرا على الالتزام الحرفي والتفصيلي بتعليمات القانون ومعالجة اي اخطاء او عثرات او مخالفات وعلى ان بناء مصداقية العملية الانتخابية مع الجمهور لا زال الهدف الذي تتمحور حوله كل الخطط.
الاجراء يبدو حازما جدا وفقا لقياسات خبراء العملية الانتخابية ومن غير المنصف اعتماد قراءة سياسية فقط له تؤشر على عمق ثقافة التلاعب بالانتخابات في المؤسسات البيروقراطية او وسط الجمهور بقدر ما يؤشر برأي مراقبين على عمق المهمة الصعبة التي تواجه الخطيب وفريقه في الهيئة المستقلة لان المطلوب ليس فقط تحجيم ثقافة التزوير المستقرة بالمؤسسات الرسمية فتلك مسألة يتكفل بها القرار السياسي.
ولكن مواجهة وتحجيم ثقافة التزوير الشعبي المستقرة في اذهان وسلوكيات مئات من الناخبين والمرشحين يصر بعضهم على ان الاحوال لم تتغير.
بالنسبة للخطيب الالتزام التام بالمعايير الدولية هو الحد الادنى المقبول في المسار الاجرائي التحضيري.
لذلك اصر الرجل على التزام الناخب بمركز اقتراع محدد سلفا يقرره المواطن نفسه وتسجله السلطات في خطوة يشكك بجدواها وتأثيرها خبراء من اعضاء البرلمان الحالي، فيما يشرح الخطيب بأن هذه المسألة من المعايير المبكرة الاساسية الدولية في عملية الانتخابات مشيرا الى انها معيار طبق في الانتخابات الليبية الاخيرة وفي العديد من بلدان العالم وليس من السهولة اسقاطه من الحسابات.
عمليا يمكن ملاحظة بأن الخطيب تمهل في اختيار فريقه العامل ضمن الهيئة المستقلة التي كلف بها وخبرات الرجل في النظام والواقع والعالم مفيدة ومنتجة في موقعه الحالي والاهم يمكن ملاحظة اشرافه الفعلي على التفاصيل والحيثيات وعدم سماحه للاخرين بالتدخل في الشؤون الاجرائية حتى يؤسس للهيئة مستويات من المصداقية تنفع لاحقا ليس فقط في تثبيت ركائز الاستقرار العام ولكن ايضا في استعادة ثقة المواطنين بالمؤسسات الرسمية بعدما تقلصت باعتراف الملك عبد الله الثاني شخصيا.
مسألة اخرى يرددها كل من يتابع هيئة الخطيب كمولود جديد في الواقع السياسي الاردني يشار اليه ملكيا وامريكيا ودوليا عندما يتعلق الامر باظهار جنوح المملكة للاصلاح والتغيير.
وهي مسألة تتعلق بعلم جميع المسؤولين التنفيذيين والامنيين والبيروقراطيين بأن خبرات ومواصفات المدير الفعلي لاهم انتخابات في تاريخ الاردن عمليا تؤهله لان ينقض وبقسوة وشراسة وباعتباره ابن النظام والمؤسسة المفوض على اي مسؤول رفيع في الدولة مهما صعد شأنه يحاول التدخل في العملية الانتخابية او العبث بها او اعاقة منظومة النزاهة التي تعتبر ذروة عملية الاستدراك والمراجعة داخل مؤسسات النظام.
النخب السياسية تجمع على ان الخطيب وهوالرجل المعني والمكلف اليوم باجراء انتخابات معقدة جدا تعقد في ظل قانون غير توافقي وظروف اقليمية مغرقة في التعقيد سياسي وبيروقراطي لا يمكن خداعه او تضليله او القفزعنه من داخل مؤسسات القرار كما حصل مع اخرين في الماضي بينهم معروف البخيت ورؤساء غيره ونخبة عريضة من وزراء الداخلية الذين زورت الانتخابات في غرف العمليات من وراء ظهرهم.
مشكلة الدبلوماسي المعتق الخطيب اليوم في عمان لخصها رئيس وزراء سابق تحدث لـ 'القدس العربي ' قائلا: ازعم بأن تضليل شخصية من طراز الخطيب صعب للغاية وهذا يقود لاستنتاج بأن اي خلل اوعبث يمكن ان يرصد او يحصل اجرائيا في الانتخابات سيكون بعلمه وبموافقته.
هنا تحديدا تكمن مشكلة الخطيب لكن يكمن ايضا عنصر القوة المتشكل بين يديه بعدما منحه القصر الملكي كل التفويضات اللازمة وبدون حدود او اسقف لاطلاق عملية انتخابية شفافة ونزيهة جدا جدا ومع كل الصلاحيات اللازمة، كما فهمت 'القدس العربي ' مباشرة من صاحب الامر بما في ذلك 'اخضاع ' بقية مؤسسات الدولة عندما يختص الامر بالانتخابات لما تريده وتقرره الهيئة المستقلة لادارة الانتخابات. (القدس العربي)