تل ابيب تبدأ بمخطط طرد فلسطينيي 48 بسحب الجنسية الاسرائيلية منهم
المدينة نيوز - الناصرة - ابتهاج زبيدات - بعد شهور قليلة من قرار المخابرات الاسرائيلية والسياسيين الاسرائيليين سحب الجنسية والمواطنة من الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني الدكتورعزمي بشارة ، بهدف حرمانه من العيش في أرض الوطن، لجأ وزير الداخلية ايلي يشاي الى السلاح نفسه ضد مجموعة كبيرة من فلسطينيي 48 الذين غادروا الوطن وانتسبوا في حينه الى حركة "فتح" وغيرها من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، بهدف منعهم البقاء في الوطن ، مع أنهم جميعا أصبحوا متقدمين في السن وكانوا قد عادوا الى الوطن ضمن تفاهمات اتفاقات أوسلو.
في الوقت الحاضر، يجري الحديث عن أربعة أشخاص، لم يفصح بعد عن أسمائهم ، ولكن الفلسطينيين الذين تنطبق عليهم هذه المواصفات (يحملون الجنسية الاسرائيلية انتسبوا الى "فتح" وعادوا بعد أوسلو) يعدون بالمئات ، ومعظمهم متزوجون ولهم عائلات ، وقرار سحب الجنسية منهم يعني طردهم من الوطن وتدمير برامج حياتهم.
سابقة خطيرة
التهديد بسحب المواطنة من المواطنين العرب من فلسطينيي 48 لم يعد مفاجئاً لأحد ، ولم يعد فقط شعارا رابحا من اجل الفوز بالانتخابات البرلمانية ، من خلال تغذية الاجواء العنصرية ضد العرب ، كما فعل افيغدور ليبرمان زعيم الحزب اليميني المتطرف "اسرائيل بيتنا" ، بل تعدى الخطر مرحلة التهديد الى ممارسة تقليدية وسياسة عامة تهدد كل فلسطيني لا يثبت "ولاءه" للدولة العبرية ، وفق معايير ومقاييس موظفيها الكبار ومخابراتها وربما الوزراء في حكومتها ، هذه الحكومة التي لم يمض على تشكيلها اكثر من شهر ونيف ، لتعود العنصرية وتكشف عن انيابها بشراسة.
القصة بدأت أول من أمس بإعلان وزير الداخلية ايلي يشاي ، وهو من حزب اليهود الشرقيين المتدينين "شاس" ، البدء بفحص المعلومات التي وردت اليه من احد موظفي وزارته الكبار، واقتراحه لاتخاذ الاجراءات اللازمة لسحب جنسية اربعة مواطنين من فلسطينيي 48 لم تعرف اسماؤهم .
والحجة التي يتذرع بها ذلك المسؤول يعقوب غانوت ، هي ان هؤلاء الاشخاص غادروا البلاد في نهاية سنوات الستين وبداية سنوات السبعين واقاموا في لبنان وتونس وغيرهما، والتحقوا في "تنظيمات ارهابية" وشاركوا في عمليات ضد اسرائيل ، ويقيمون في دول عربية "معادية" وفق القانون .
مطالبة مواطنين فلسطينيين يحملون الجنسية الاسرائيلية ويعيشون في الخارج بالعودة الى البلاد، واستعادة الهوية الاسرائيلية الزرقاء التي تمنح لكل فلسطيني يسكن داخل الخط الأخضر، أمر غير جديد .
فقد سبق واستعاد عدد منهم جنسيته وهويته بعد أوسلو ، وقسم منهم اضطروا الى اللجوء للمحاكم الاسرائيلية لاستعادة المواطنة ، وما زال غالبية هؤلاء يعيشون مع عائلاتهم داخل اسرائيل حتى اليوم . كما اخبر بذلك المحامي بدر الدين اغبارية الذي يترافع في المحاكم الاسرائيلية باسم عشرة اشخاص آخرين يعيشون في الخارج ، يحملون الجنسية الإسرائيلية ويطالبون بالعودة . وعلى سبيل المثال ، فإن أحدهم استعاد المواطنة ولكن الاسرائيليون يرفضون اعادة زوجته وبناته الثلاث ، وقاموا بكتابة كلمة " غير واضح " في خانة "الحالة الاجتماعية" في بطاقة هويته .
نموذج عزمي بشارة
ويبقى موقف ايلي يشاي في التعامل مع مثل هذا الموضوع ليس بجديد وآراؤه واضحة في هذا الجانب ، فعندما شغل منصب وزير الداخلية في حكومة أرئيل شارون، أثيرت هذه القضية بشيء من المبالغة ، ودار الحديث وقتذاك حول وجود 150 ألف فلسطيني دخلوا الى البلاد في اطار اتفاقيات أوسلو ويجب اعادتهم الى خارج البلاد .
وقد حاول يشاي استغلال الصلاحيات التي يمنحها القانون لوزير الداخلية ، التي تخول له النظر في سحب مواطنة احد المواطنين او الغائها ، فهدد مرارا بسحب المواطنة من عدد من المواطنين العرب بسبب مواقفهم السياسية المعادية لسياسة الحكومة والاحتلال ، اضافة الى انه يعتبر من أشد المتحمسين لاقتراح تمديد فترة "قانون المواطنة" ، الذي يحرم العائلات الفلسطينية من لمّ شملها اذا كان احد الزوجين لا يحمل الجنسية الاسرائيلية ، أي من مناطق السلطة الفلسطينية او من احدى الدول العربية ، حتى مع تلك الدول الموقعه معها اتفاقيات سلام.
مع ذلك ورغم التهديدات لم يحدث ان تم فعلا سحب جنسية احد من المواطنين المقيمين داخل اسرائيل من فلسطينيي 48 جراء تلك التهديدات الا في عام 2002 ، حيث تم سحب جنسية المواطن ناهد أبو كشك ، الذي اتهم بالانتساب إلى "حماس" والمشاركة بعمليات ضد اسرائيل، وما زال يقبع في السجون الاسرائيلية .
وبعدها تم سحب جنسية المواطن قيس عبيد، الذي يقيم حاليا في لبنان، بعد ان وجهت اليه تهمة العضوية في حزب الله وقيادة عملياته المسلحة ضد اسرائيل وتجنيد مواطنين عرب في اسرائيل بعضوية حزب الله وتنظيم عمليات لهم داخلها واستخدام المخدرات لاغراء هؤلاء المنتسبين من اسرائيل وهو نفسه الذي كان قد اختطف الضابط الاسرائيلي الكبير، الحنان تننباوم، والذي تم إعادته في اطار صفقة تبادل أسرى بين حكومة شارون وحزب الله.
في الفترة الأخيرة وبعد مغادرة النائب السابق د. عزمي بشارة البلاد ، تجرى محاولات لسحب جنسيته بدعوى انه يشكل خطرا على أمن اسرائيل ، ويرى المحامي اغبارية ان هناك ارتباطا بين القضيتين ، ولم يبت نهائيا في الموضوع بعد ، ولكن يشاي يسعى لتثبيت سياسة سحب المواطنة بكل قوته.
في اليوم نفسه الذي نشرت فيه وسائل الاعلام الاسرائيلية، على لسان وزارة الداخلية، نية الوزير سحب مواطنة اربعة مواطنين فلسطينيين يحملون الجنسية الاسرائيلية، بحسب التفسيرات التي اوردها غانوت، كان المحامي اغبارية في طريقه لمحكمة العدل العليا لتقديم التماس لأحد موكليه للاسراع في حل قضيته ، الا ان المحامي عرف عن نية الوزير بالصدفة، من احد الصحافيين الذي اتصل به لتسجيل رده حول ما نشر، كما قال في حديث لصحيفة "العرب اليوم".
المحامي اغبارية يقول بصراحة ان من يقف وراء كل هذا الموضوع هو يعقوب غانوت ، رئيس دائرة التسجيل والهجرة في وزارة الداخلية ، وأضاف "فوجئت بالخبر وكوني محامي اولئك الاشخاص الذي يجرى الحديث عنهم توجهت مباشرة للمتحدث باسم وزارة الداخلية للتأكد من حقيقة الخبر اولا ، وثانيا لمعرفة من هم الاشخاص الاربعة الذين يجرى الحديث عنهم ، لكنه رفض تزويدي بأية معلومات جديدة ، واقترح عليّ التوجه الى مكتب الوزير مباشرة ، هناك تبين لي ان لا احد يعرف عن الموضوع ، ومساعد الوزير لم يتواجد في مكتبه ، وحتى الآن لا اعرف من المقصود".
ومن يعرف من هو غانوت، يدرك ان وراء القضية هدفا سياسيا عدائيا فاضحا ، فتاريخ غانوت الغني في الشرطة والمخابرات ملطخ بعمليات عدائية شرسة ضد العرب ، غانوت معروف بمواقفه العنصرية منذ كان قائدا في شرطة الشمال، وقد ساهم شخصيا في الاعتداء على المواطنين العرب ، في يوم الأرض الأول عام 1976 وكان فقد إحدى عينيه خلال عملية مقاومة في الخليل ، وظلت هذه العلامة سببا لممارساته العدائية اللاحقة في الشرطة ، ثم انتقل انتقامه الى السجون عندما عين عميدا لمصلحة السجون ، وعين فيما بعد قائدا في حرس الحدود وبعدها مفوضا لمصلحة السجون ، واقر تعيينه مفتشا عاما للشرطة لكن وبسبب توجيه لائحة اتهام ضده ، بتهم الفساد والخداع ، منع المستشار القضائي ميني مزوز تعيينه ، رغم قيام محكمة العدل العليا بتبرئته من معظم التهم التي وجهت اليه ، وللسبب نفسه لم ينجح في إشغال منصب مدير عام وزارة المواصلات ، فعينوه رئيسا لدائرة التسجيل والهجرة في وزارة الداخلية.
ورغم خطورة ما تقدم ، الا ان المحامي اغبارية بدا متفائلا في حديثه ، اعتمادا على القانون نفسه الذي يخول وزير الداخلية بسحب الجنسية الإسرائيلية ، وقال "الموضوع ليس بهذه السهولة كما يخيل لهم رغم خطورته ، لأنه ووفق القانون فعلى الوزير ان يقوم بتقديم طلب سحب المواطنة للمحكمة المركزية وهذه بدورها هي التي ستبت بالموضوع ، لكن وزير الداخلية ، والكلام لاغبارية ، لا يستطيع تقديم مثل هذا الطلب دون الحصول على موافقة خطية من المستشار القضائي للحكومة ، وبرأيي لن يكون من السهل على المستشار مزوز الموافقة على مثل هذا الطلب، وعلى تلك الذرائع".
طمأنة المحامي اغبارية عن الاحتمال الضعيف لتمرير طلب وزير الداخلية بسحب المواطنة ، قد يترك انطباعا ان تهديد ايلي يشاي ويعقوب غانوت قد يكون زوبعة في فنجان ، وربما يكون هذا الأمر صحيحا ، لكنه لا يزيل الخطر ، فقد يتم سن قانون خاص بهذا الشأن يحظى بأكثرية في الكنيست ، التي تضم أكثرية يمينية متطرفة ، وعندها يصبح كل مواطن من فلسطينيي 48 مهددا في المستقبل بسحب مواطنته .
هذا الأمر الذي يؤكده المحامي اغبارية ايضا ، إذ يقول " حسب رأيي اذا نجح يشاي بتمرير طلبه ستكون سابقة خطيرة جدا ، عندها يكفي التشكيك في أي مواطن فلسطيني من 48 او بمن يسافر منهم للخارج، ليكون معرضا لتوجيه تهمة قد تكلفه مواطنته ، لذا لم استغرب اجابة مسؤولة قسم التسجيل والجوازات في الوزارة، ايتي شارون لي عندما حاولت ان اشرح لها عدم قانونية ما يجري ، فقد قالت لي وبموقف واضح ، لا يعقل ان اقوم بالموافقة على اعادة اشخاص غادروا اسرائيل وعملوا ضدها في الخارج".
مع ذلك يقترح المحامي اغبارية انتظار ما سيقرر المستشار القضائي، ميني مزوز، اذا ما تقدم يشاي بطلب سحب المواطنة ، وقال "اذا وافق مزوز فإن معركتنا ستكون في المحكمة ، واذا رفض سينتهي الموضوع ." ، وأضاف " اعتقد ان الموضوع لن يطول اكثر من اسبوعين وعندها ستتضح الصورة ، لن يطول ايضا بسبب تقدمي بطلب لمحكمة العدل العليا باسم احد المطالبين بالعودة كما ذكرت".