جلال النحاس نموذجا

إهداء : إلى الذين في عيونهم رمد حتى لا يتحول إلى عمى...
اليوم يحتضن تراب مأدبا جثمان جلال النحاس.
وجلال هو الابن الثاني لجريس النحاس، ذاك القروي الذي اضطر يوما لترك شوارع مأدبا، والذهاب إلى بيروت بحثا عن ابنه الذي ترك دراسة الطب وقرر الالتحاق بالثورة الفلسطينية.
كان جلال أحد الطلاب الأردنيين النجباء الذين غادروا مأدبا ؛ لدراسة الطب في أيام عز الاتحاد السوفيتي، والتحق بجامعة موسكو في العام 1969، وبعد سنتين ترك مشارط المختبرات لينضم إلى الثورة الفلسطينية مقاتلا ملتزما وعسكريا محترفا في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، يحدوه الأمل مثل كل الشرفاء ، يساهم في تحرير فلسطين، ليس باعتبارها وقفا إسلاميا فحسب، بل وقفا إنسانيا على كل ذي بصيرة يجد له مكانا في تحريرها.
وحسب رفاق وأصدقاء جلال فقد كان من أفضل خبراء تصنيع المتفجرات في الثورة الفلسطينية التي شارك في جميع معاركها في بيروت، وكان مسؤولا عن معسكرات التدريب في الجبهة الديمقراطية، وأحد المشرفين على تدريب أبطال العملية الاستشهادية الشهيرة التي قامت بها الجبهة الديمقراطية في 15 نيسان عام 1974 التي عرفت بعملية ترشيحا (معالوت) حيث قتل فيها 73 إسرائيليا.
زهرة سنوات عمره، قضاها جلال النحاس في صفوف الثورة الفلسطينية، مدافعا عن أحلام جيل آمن بفلسطين قضية وشعبا، ولم تكن في يوم من الأيام قضية محتكرة على شعبها فقط.
بعد التحولات التي أصابت العالم والمنطقة في بداية التسعينيات عاد جلال إلى مأدبا برفقة عائلته التي كوّنها في بيروت، ليبدأ مرحلة حياتية من جديد كانت صعبة جدا على رجل تعوّد على عيشة المعسكرات، ومتابعة المقاتلين، فكان يقول دائما "شو هالعيشة..." ويترك خياله سارحا في بيروت وأيامها التي لا تنسى.
جلال النحاس من الرجال الذين قدوا من صخر الصوان عزيمة وإرادة، لم تتمكن منه جميع معارك بيروت، ولا مواجهة الإسرائيليين في معركة بيروت الكبرى، لكن السرطان ـ هذا الوحش القاتل ـ اقترب من جسده الملفوف في سنواته الأخيرة، ورغم العزيمة التي يتمتع بها جلال إلا انه استطاع أن ينهي حياته مريضا مسجى في المستشفى التخصصي.
منذ فترة أنهى جلال النحاس كتابة يومياته في بيروت، وهي عبارة عن تسجيل واقعي لمرحلة الثورة الفلسطينية في لبنان، وهي مذكرات شخصية، لذاك القروي الذي ترك سهول مأدبا، وجامعات موسكو، عشقا لفلسطين وقضيتها.
جلال النحاس ابن مأدبا البار، وشقيق الأديب الكبير والمناضل التقدمي سالم النحاس. عليك الرحمة ولروحك هواء فلسطين العليل، وأحلام أبنائها أبناؤك الذين تعلموا دروس الحب والوطنية والتقدمية من أمثالك.
عليك الرحمة وما بدلت تبديلا.
( العرب اليوم )