أحاديث العيد

تبادل التهاني في عيد الفطر المبارك عادة طيبة في مجتمعنا, وقد اصبحت منذ زمن ليس بالقصير تأخذ اشكالا روتينية ليس فيها من الحيوية الاجتماعية التي كان مجتمعنا الاردني خصوصا في المحافظات والارياف يتميز بها, ومع ذلك فإن من يلتقون في هذا العيد, وفي كل عيد فان القضايا العامة تطغى على القضايا الخاصة والودية بين المهنئين.
فالقضايا العامة تمثل المحاور الاساسية وكأنها جدول اعمال لندوة متفق عليها مع ان كثيرا من هذه اللقاءات تتحقق بلا ترتيب وبوجود اشخاص لم يلتقوا منذ فترة طويلة إلا ان العيد كان المناسبة الطيبة لهذه اللقاءات, وتكاد موضوعاتها تكون استمرارية للقاءات التي تعودت عليها هيئات المجتمع المدني كالنوادي والجمعيات والاحزاب والنقابات واصبح ترتيبها في هذا العيد الذي تلا شهر رمضان المبارك يأخذ في اولوياته الوضع الداخلي خصوصا الانتخابات المقبلة والحراكات وتساؤلات مهمة حول الوضع الاقتصادي, وبعض اللقاءات يجعل من موضوع الازمة السورية اولوية بحد ذاتها وقلما تأخذ هذه اللقاءات ما يخص السفر والمجاملات الاجتماعية فحرارة الاحداث المتوقعة في الاشهر المقبلة من هذا العام تزداد باستمرار رغم ان حرارة الصيف تنحسر خلالها حيث سنستقبل خريفا وشتاء حارا والقضايا متكررة خصوصا لخلو جدول اعمال الدورة الاستثنائية لمجلس الامة من أي بند يخص تعديلا على قانون الانتخاب. هذا الموضوع يتقدم معظم الاحاديث وهذا يعني ان احتمالات اجراء انتخابات هذا العام قد اصبحت تتكاثر لصالح استمرار المجلس الحالي نتيجة عوامل عديدة تعيق الطريق واصبحت الهيئة المستقلة للانتخابات هي الطرف الرسمي الذي يعيش حالة لا يحسد عليها لضعف التسجيل والمقاطعة بعد ان اصبح قانون الصوت الواحد هو اساس الانتخابات المقبلة واصبحت القائمة الوطنية نتيجة وضع الحالة الحزبية وموقف المعارضين المتوقع مقاطعتهم هي الاخرى احدى المشكلات للعملية الانتخابية نفسها بدل ان تكون علامة ايجابية كونها قائمة على التمثيل النسبي للقوائم المغلقة والترتيب التسلسلي لمرشحي كل قائمة على التمثيل النسبي للقوائم المغلقة والترتيب التسلسلي لمرشحي كل قائمة.
ومع ان الحماس الشعبي في اضعف حالاته »في ايام العيد« لهذه الانتخابات بعد ان اصبح امر قانون الانتخاب في صورته المعلومة وهي صورة بشعة في نظر كثير من الاردنيين وتزداد بشاعتها من خلال حكمهم المسبق على ان الانتخابات المقبلة اذا تمت ستفرز مجلس نواب لا افضلية فيه عن القائم إلا بعدده الذي سيزيد ثلاثين مقعدا ومجلس اعيان بزيادة خمسة عشر مقعدا عن الحالي والدولة تشكو من حالة مالية واقتصادية لم تصلها في السنوات السابقة وبعد ان تزايدت المديونية بمعدلات عالية وستتركز الاحاديث على مخاطر توجه الحكومة الى الاقتراض وكأن الحصول على قروض جديدة يمثل انجازا?!!..
ومن الصعب ان لا تسيطر على احاديث العيد ما آلت اليه شعارات الحراك من طريق مسدود حول الفساد والفاسدين وان ملفات الخصخصة ونهب المال العام والعناوين الكثيرة المتشعبة ومنها ازمة تحقيق العدالة ستكون اللازمة المتكررة في هذه الاحاديث ناهيك عن التقليل من (القائمة الاصلاحية) لما انجزته المرحلة والتي تتحدث عنها الحكومة واعلامها وخصوصا التعديلات التي اقرت على الدستور حيث لا يلمس المواطن اي اثر مباشر باتجاه الاصلاحات الجادة على ارض الواقع ومن المتوقع أن لا تخلو جلسة من جلسات العيد من تبادل الآراء واخبار الازمة السورية واذا كان الاردنيون هنا اكثر انقساما وحدّة في انقسامهم تجاه تطورات الازمة السورية فإن امر ابتعاد الاردن عن التورط في هذه الازمة سيظل هو النتيجة التي تنتهي اليها احاديث العيد, فأحاديث العيد عادة تتميز بالمجاملة وبعدم الجدية في التصرف والسلوك من قبل المختلفين على الرغم مما يحمله الحوار في ثناياه من اختلاف حاد في وجهات النظر.
ولأن الهاجس الاردني باستمرار مستمر في التأثير القومي عليه فإن التغيرات التي اجراها الرئيس محمد مرسي وردود الفعل المتوقعة بعد إجازة العيد لن تغيب عن الاحاديث المتصلة بين النخب السياسية ورجالات الدولة وهي مجموعات استطابت عبر تاريخها الوظيفي والسياسي التعرض للقضايا العامة فالحوار عندنا مجرد سواليف بالنسبة للناس ولكنه مقصود من هذه النخب في ما يخص التغيير الحكومي فهو مقدمة موضوعات الحوار اثناء اللقاء باعتبار اجازة العيد فرصة لنشاط هذه النخب ورجال الحكومات الذين اشتد تأثيرهم الحالي واشتد الخلاف بينهم طمعا في المناصب القادمة التي تنتظر اجراء تغييرات واسعة كجزء من الاسلوب الاردني الذي تعودت عليه الحكومات المتعاقبة تحت عنوان التغيير واستجابة للممارسة اللازمة لإدارة الازمات في كل فترة وما اكثر ازماتنا التي لا يحلها غير الدعم الخارجي واستئثار فئة قليلة عددا بنسبة كبيرة من هذا الدعم ومن القروض ومن حصيلة التطور ومكتسبات التنمية فهي الطريق التي تتعامل بها هذه الفئات مع قوى مجتمعية موثرة في استمرار ما تم التعود عليه.
يبدو لي أن احاديث العيد ايضا ستكون جزءاً اساسيا مما سيلتقطه المعنيون في »المطبخ« الاردني ومن خلال هذه المحصلة ومؤشراتها فإن اجراءات منتظرة على الطريق منها ما يتعلق بتسهيل التسجيل للانتخابات لأنه حتى الآن قد اسفر عن ارقام اقل من متواضعة ومنها ما يتعلق بحسم الموقف من اجراء انتخابات هذا العام وهو يتطلب استقالة الحكومة وحل مجلس النواب وتحديد الموعد الدقيق للانتخابات او غض النظر عن اجراء انتخابات هذا العام وبالتالي استمرار مجلس النواب الحالي وتغيير الحكومة فقد كانت مهمتها الاساسية محدودة في زمنها وشارفت على استهلاك كل ما يتوقع أن تنجزه فقد سحبت رصيدها من التأييد بين الموالاة ناهيك عن المعارضة وهي الآن تعيش حالة العد العكسي لاستمرارها.
ومع ذلك سيظل الهاجس الاساسي في احاديث العيد كما هم الاردنيون عادة باتجاه المطالبة بأن ينأى الأردن بنفسه عن التورط في المشكلة السورية وبالدعوة أن يحفظ الله الاردن ويصون أمنه واستقراره. وأخيرا اتمنى للاردنيين أن يفرحوا لأن الفرح هو الذي يحبط الاحباط. ( العرب اليوم )