الجيش العائد إلى ثكناته!

الحريصون على الأخضر الإبراهيمي، ونحن منهم، رغبوا منذ البداية عن هذه المهمة المستحيلة، فالعقدة السورية بعد مستنقع الدم الذي غطس فيه الجميع هو تماماً كالحرب العراقية - الإيرانية، وكحروب البلقان.. جميع اللاعبين في المنطقة والعالم ينتظرون طبخة الحصى، ويأملون أن يؤدي الصراع إلى إنهاك الداخل السوري، ووقوع الطرفين على أنوفهم من التعب!
الأخضر الإبراهيمي ليس بعيداً عن طبخات الحصى فقد حفيت أقدامه في لبنان، وبين طهران وبغداد ولكنه هذه المرّة قبل بالتحدي كما قبل من قبل. ذلك أن الرجل ليس متفرجاً حين يهرق الدم العربي، مثلما هو غير متفرج حين يكون غيره، فهو جزء من تاريخ التحدي الجزائري!
كادت قيادة الجيش السوري الحر ببيانها ثاني يوم العيد أن تقدم للحل.. وللعرب المفجوعين بالتقاتل السوري، ما يمكن اعتباره العلامة الفارقة الأولى لمرحلة ما بعد بشار الأسد، في أمرها العسكري الواضح. وهذا الأمر هو منع قادة وضباط وأفراد الجيش السوري الحرّ من الانتماء لأيّ حزب سياسي، أو تجمع منفرد الآن في هذه المذبحة، أو حين يعود الجميع عن الاحتراب الداخلي، والانصراف إلى بناء سوريا الجديدة!
لقد وضعت قيادة الجيش الحصيفة يدها على السبب الأساسي لعلة سوريا والمنطقة. فقد كان الجيش السوري ولمدة نصف قرن الأداة الرئيسية من أدوات عدم الاستقرار في سوريا، وحين جاء حافظ الأسد وابنه بشار إلى حكم حزب البعث، والطائفة، والعائلة كان الجيش هو مادة القمع، وفرض النظام السياسي على الشعب السوري!!.
لقد دافع الكثيرون عن هذه الحقبة بأن الأسد وابنه ابعدا الجيش عن الانقلابية، وهذا غير صحيح لأنّ النظام وضع الجيش دائماً أمام الشعب،.. وضعه حين انقلب على رفقاء الحزب ميشيل عفلق والبيطار وأمين الحافظ، وحين انقلب على رفيقه صلاح جديد وجماعته: ماخوس وزعين والأتاسي. ووضعه أمام الشعب في حماة.. وها هو يضعه أمام الثورة الشعبية الكبرى!
إذا قرر الجيش الحرّ العودة نهائياً إلى معسكراته، والخروج من الأحزاب والتكتلات الطائفية والمذهبية، فإنه يكون قد قدم لهذه التضحية العظيمة جائزتها التي يستحقها شعب سوريا، كما استحقتها كل ثورات الاستقلال.(الرأي)