موسم الهجرة من المدارس الخاصة !

تتزايد أعداد الطلبة الذين ينتقلون من المدارس الخاصة إلى الحكومة سنة بعد اخرى حيث بلغ عددهم عشرات الآلاف خلال السنوات الأخيرة ، مما يؤكد الحاجة إلى وقفة مراجعة للتعليم الخاص مع نفسه واستثماراته اولا ومع الوطن ايضا، ما دام عبء تدريس الابناء في هذا القطاع يتزايد على نحو يفوق الاحتمال لنسبة لا يستهان بها من أولياء الأمور الذين باتوا يدفعون ما تحت ايديهم وما فوقها على شكل أقساط مدرسية ترتفع دون ضوابط في كل عام دراسي، بلا اية مبررات موضوعية تقف وراء ذلك ما عدا تحقيق أرباح قياسية حولت مبادئ التربية والتعليم الى سلعة تجارية!
آخر الأرقام التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم تشير الى ان تسعة الآف ومئة وخمسين طالبا وطالبة قد انتقلوا الى المدارس الحكومية قادمين من المدارس الخاصة في العاصمة وحدها قبل يوم من انتهاء الفترة المحددة للانتقال في الخامس عشر من الشهر الحالي، وتضاف الى ذلك اعداد من اقدموا على الانتقال من الخاصة الى الحكومية في المدن الرئيسية الاخرى مما يضاعف الرقم الاجمالي المرشح الى المزيد من الآلاف اذا ما تم تمديد الفترة لما بعد عطلة عيد الفطر وفقا للتوقعات، لان معاملات كثيرة ما تزال عالقة بين الإدارات المدرسية العامة والخاصة وتحتاج الى بعض الوقت لاستكمال اجراءاتها، في حين لم ينتقل من الحكومة الى غيرها سوى مئات معدودة من الطلبة ربما لاحتياجهم الى وسائط النقل ليس إلا ! .
لم يعد خافيا ان مغالاة معظم المدارس الخاصة في تحديد رسومها واقساطها على أولياء الأمور وزيادتها بنسب مبالغ فيها بين عام دراسي وآخر ، هي السبب الرئيسي في هذه الهجرة الجماعية منها، بالاضافة الى مقاومتها لاية اجراءات تستهدف تصويب اوضاعها سواء عن طريق تصنيفها الى فئات متدرجة او وضع سقف متوازن للقسط المدرسي، مما ادى الى حالة مستعصية على الحلول من قبل وزارة التربية وغيرها دعت الى ان لا يجد الطلبة مفرا لهم سوى المدارس الحكومية التي لا تقل في مستواها عن الخاصة في كثير منها، ولو ان طاقتها الاستيعابية قادرة على المزيد من المنتقلين اليها لتجمعت فيها اعداد كبيرة اخرى ممن لم تعد ظروفهم الاقتصادية قادرة على نفقات مدرسية خاصة لا أول لها ولا خر! .
ما يلفت النظر ان بعض المدارس الخاصة التي تجبي مبالغ كبيرة من خلال الرسوم والأقساط وما تضيف اليها من تكاليف اخرى لاثمان الكتب والالبسة ومقابل نشاطات مدرسية يتم اختراعها لتدفيع اولياء الامور ايا كانت المبررات، لا تكلف نفسها في المقابل تقديم الخدمة التعليمية الملائمة بل تحاول ان تتدنى بها الى مستويات لا تتوافق مع ما تحصله من عائدات، مع عدم الاهتمام بتوفير الكوادر المؤهلة والكافية من المعلمين والمعلمات بل تلجأ الى عدم الاعتراف بالحد الأدنى من الأجور المقدمة لهم وتعمد الى توقيعهم على عقود صورية اقل منها ولفترات محدودة خلال السنة الدراسية!
يمكن الجزم بان التعليم الخاص قد يواجه أزمة في مستقبل الأيام ربما تهدد استثماراته التي تصل الى مئات الملايين من الدنانير، اذا ما بقي مصرا على مجابهة اية عملية تغيير لابقاء الاوضاع الحالية المائلة على ما هي عليه ليتسرب من مدارسه الخاصة الآف الطلبة الذين لم يجدوا بدا من الانتقال الى المدارس الحكومية للخلاص مما هم فيه ! .
( العرب اليوم )