ثقافة إلكترونية !
تم نشره الخميس 23rd آب / أغسطس 2012 03:07 مساءً

جواد البشيتي
نحن الآن، وعلى ما نقاسيه من شظف العيش، ومن غلاء أسعار بضائع "لقمة العيش"، ومن طول "يوم العمل" وقساوته، وضآلة وتضاؤل القيمة الحقيقية للأجور والرواتب، ننعم بشيء من "وقت الفراغ"، الذي يتحدَّانا، يومياً، ليس على توسيعه فحسب، وإنَّما على فِعْل الأهم من ذلك، وهو الانتفاع منه بما يؤكِّد انتسابنا وانتماءنا إلى "الحضارة الحقيقية"، فكثيرٌ من "الحضارة"، في زمن "العولمة" الذي نعيش، أقرب إلى النقد المزوَّر منه إلى النقد الحقيقي؛ وكثيرون مِنَّا، ومن شبابنا على وجه الخصوص، مُجْتَذبون إلى النقد المزوَّر، مع أنَّ وجوده هو خير دليل على وجود النقد الحقيقي.
مَنْ أنتَ؟
إنَّ بعضاً من أهم عناصر الإجابة عن هذا السؤال يكمن في العلاقة بينكَ وبين "وقت الفراغ" الذي تملك، لجهة "كيفية انتفاعكَ منه"، فَقُلْ لي كيف تملأ وقت فراغكَ اليومي أقُلْ لكَ مَنْ أنتَ.
أنتَ "تنتفع منه" بما يؤكِّد أنَّ بينكَ وبين القراءة عداء مُسْتَحْكَمٌ، فبضعة أسْطُرٍ لا غير هي المعدَّل السنوي للقراءة لدى المواطن العربي، مع أنَّ العصر الذي نعيش هو عصر المعرفة التي في متناول كل مُريدٍ أو ساعٍ لها.
إنَّ نمط عيشنا اليومي، ولجهة علاقته بـ "المعرفة"، لا يؤكِّد لنا إلاَّ شيئاً واحداً، هو أنْ لا قيمة، ولا أهمية، ولا ضرورة، للقراءة، والمعرفة، ولكل الأوجه الفكرية والروحية لـ "الحضارة الحقيقية"، فـ "الثقافة" التي نملك لتحصيلها أقوى الدوافع والحوافز هي ثقافة "الموبايل" و"الفيديو كليب".
"عالم الموبايل"، أي "عالمه السفلي"، هو عالم شبابنا اليوم، فـ "وقت الفراغ"، الواسع المتَّسِع، إنَّما يُملأ بالسعي إلى تحصيل مزيد من "ثقافة الموبايل"، التي هي في الحضيض من الثقافة.
"الجهاز"، أي جهاز الموبايل، الذي اشتريته اليوم يتقادم "معنوياً" غداً، أي بعد بضعة أسابيع، أو بضعة أشهر، فتشتدُّ لديك "الحاجة" إلى شراء الأكثر "رُقِيَّاً" منه، أي الذي فيه من جديد الخواص ما يلبِّي مزيداً من "حاجاتنا"، التي تَسْتَوْلدها فينا، وتنمِّيها، "ثقافة الموبايل"، بوصفها الدرك الأسفل من الثقافة التي نملك على وجه العموم.
"الموبايل" هو أداة "التفاعل الثقافي والاجتماعي والإنساني" الأهم والأوسع بين شبابنا، والذي لا يُنْتِج إلاَّ مزيداً من التشويه لهم، ثقافياً واجتماعياً وإنسانياً، فَلْتُمْعنوا النظر في "المحتوى المعرفي" لهذا التفاعل بين أبناء "مجتمع الموبايل". إنَّ كل عيوبنا الأخلاقية والاجتماعية والثقافية تَظْهَر واضحة جلية في "الصادِر" و"الوارِد" من "رسائل الموبايل" بأنماطها كافة، وكأنَّنا مجتمعٌ اجتمعت فيه، وامتزجت، ثقافة زمن الجاهلية مع "الموبايل"!
"مجتمع الموبايل" هو الذي فيه، وبه، يُهْدَر المال والجهد والوقت.. وكل ما يجب أن يُنْفَق على خير وجه، أي في سبيل زَرْع وغَرْس "الحضارة الحقيقية" في مجتمعنا، أفراداً وجماعات.
وهذا المجتمع، أي "مجتمع الموبايل"، يَفْتَحُ أبوابه على مصاريعها لـ "ثقافة" متمِّمة مُكمِّلة هي "ثقافة الفيديو كليب"، التي يُفْتَتَح لها، كل يوم، محطَّة فضائية جديدة. وبعض هذه المحطَّات، التي تشبه "محطَّات البنزين" لجهة الرائحة التي تفوح منها، هي الدرك الأسفل من عالَم الفن وقد لبس لبوس الغناء والموسيقى والرقص والشِعْر،.. لِتَدْخُل بيوتنا من أوسع أبوابها، وَلِتَبْتَني لها "ثقافة" في عقول وقلوب المراهقين والشباب من أفراد عائلاتنا.
إنَّهم، أي المراهقون والشباب من أفراد عائلاتنا، ينفقون كثيراً من وقتهم وجهدهم من أجل التوسُّع والتعمُّق في معرفة ما تناهى في الصِغَر من تفاصيل حياة هذه المطربة أو تلك، وأعمالها الفنيِّة الجليلة، والجديد منها على وجه الخصوص، يتعصَّبون لها، ويتعصَّبون على خصومها، فلا رأي لهم إلاَّ في أمرها، ولا صراع يخوضون إلاَّ الصراع الذي تخوضه هي.
حتى برامج تلك المحطَّات لـ "الاختبار الثقافي والمعرفي" للمشاهدين لا يفوز فيها إلاَّ من توفَّر على معرفة أمور وأشياء ينبغي له أن يجهلها تماماً إذا ما أراد تحصيل ثقافة ومعرفة حقيقيتين.
لقد أصبح للإسفاف فَنُّه، وأصبح له عشرات المحطَّات الفضائية، التي تبثُّ السموم في العقول والقلوب على مدار الساعة، وكأنَّ "الثقافة" التي يراد لها الانتشار في مجتمعنا تأبى إلاَّ أن تكتمل وتتكامل مع ثقافة "الفيديو كليب" و"الموبايل". ( العرب اليوم )
مَنْ أنتَ؟
إنَّ بعضاً من أهم عناصر الإجابة عن هذا السؤال يكمن في العلاقة بينكَ وبين "وقت الفراغ" الذي تملك، لجهة "كيفية انتفاعكَ منه"، فَقُلْ لي كيف تملأ وقت فراغكَ اليومي أقُلْ لكَ مَنْ أنتَ.
أنتَ "تنتفع منه" بما يؤكِّد أنَّ بينكَ وبين القراءة عداء مُسْتَحْكَمٌ، فبضعة أسْطُرٍ لا غير هي المعدَّل السنوي للقراءة لدى المواطن العربي، مع أنَّ العصر الذي نعيش هو عصر المعرفة التي في متناول كل مُريدٍ أو ساعٍ لها.
إنَّ نمط عيشنا اليومي، ولجهة علاقته بـ "المعرفة"، لا يؤكِّد لنا إلاَّ شيئاً واحداً، هو أنْ لا قيمة، ولا أهمية، ولا ضرورة، للقراءة، والمعرفة، ولكل الأوجه الفكرية والروحية لـ "الحضارة الحقيقية"، فـ "الثقافة" التي نملك لتحصيلها أقوى الدوافع والحوافز هي ثقافة "الموبايل" و"الفيديو كليب".
"عالم الموبايل"، أي "عالمه السفلي"، هو عالم شبابنا اليوم، فـ "وقت الفراغ"، الواسع المتَّسِع، إنَّما يُملأ بالسعي إلى تحصيل مزيد من "ثقافة الموبايل"، التي هي في الحضيض من الثقافة.
"الجهاز"، أي جهاز الموبايل، الذي اشتريته اليوم يتقادم "معنوياً" غداً، أي بعد بضعة أسابيع، أو بضعة أشهر، فتشتدُّ لديك "الحاجة" إلى شراء الأكثر "رُقِيَّاً" منه، أي الذي فيه من جديد الخواص ما يلبِّي مزيداً من "حاجاتنا"، التي تَسْتَوْلدها فينا، وتنمِّيها، "ثقافة الموبايل"، بوصفها الدرك الأسفل من الثقافة التي نملك على وجه العموم.
"الموبايل" هو أداة "التفاعل الثقافي والاجتماعي والإنساني" الأهم والأوسع بين شبابنا، والذي لا يُنْتِج إلاَّ مزيداً من التشويه لهم، ثقافياً واجتماعياً وإنسانياً، فَلْتُمْعنوا النظر في "المحتوى المعرفي" لهذا التفاعل بين أبناء "مجتمع الموبايل". إنَّ كل عيوبنا الأخلاقية والاجتماعية والثقافية تَظْهَر واضحة جلية في "الصادِر" و"الوارِد" من "رسائل الموبايل" بأنماطها كافة، وكأنَّنا مجتمعٌ اجتمعت فيه، وامتزجت، ثقافة زمن الجاهلية مع "الموبايل"!
"مجتمع الموبايل" هو الذي فيه، وبه، يُهْدَر المال والجهد والوقت.. وكل ما يجب أن يُنْفَق على خير وجه، أي في سبيل زَرْع وغَرْس "الحضارة الحقيقية" في مجتمعنا، أفراداً وجماعات.
وهذا المجتمع، أي "مجتمع الموبايل"، يَفْتَحُ أبوابه على مصاريعها لـ "ثقافة" متمِّمة مُكمِّلة هي "ثقافة الفيديو كليب"، التي يُفْتَتَح لها، كل يوم، محطَّة فضائية جديدة. وبعض هذه المحطَّات، التي تشبه "محطَّات البنزين" لجهة الرائحة التي تفوح منها، هي الدرك الأسفل من عالَم الفن وقد لبس لبوس الغناء والموسيقى والرقص والشِعْر،.. لِتَدْخُل بيوتنا من أوسع أبوابها، وَلِتَبْتَني لها "ثقافة" في عقول وقلوب المراهقين والشباب من أفراد عائلاتنا.
إنَّهم، أي المراهقون والشباب من أفراد عائلاتنا، ينفقون كثيراً من وقتهم وجهدهم من أجل التوسُّع والتعمُّق في معرفة ما تناهى في الصِغَر من تفاصيل حياة هذه المطربة أو تلك، وأعمالها الفنيِّة الجليلة، والجديد منها على وجه الخصوص، يتعصَّبون لها، ويتعصَّبون على خصومها، فلا رأي لهم إلاَّ في أمرها، ولا صراع يخوضون إلاَّ الصراع الذي تخوضه هي.
حتى برامج تلك المحطَّات لـ "الاختبار الثقافي والمعرفي" للمشاهدين لا يفوز فيها إلاَّ من توفَّر على معرفة أمور وأشياء ينبغي له أن يجهلها تماماً إذا ما أراد تحصيل ثقافة ومعرفة حقيقيتين.
لقد أصبح للإسفاف فَنُّه، وأصبح له عشرات المحطَّات الفضائية، التي تبثُّ السموم في العقول والقلوب على مدار الساعة، وكأنَّ "الثقافة" التي يراد لها الانتشار في مجتمعنا تأبى إلاَّ أن تكتمل وتتكامل مع ثقافة "الفيديو كليب" و"الموبايل". ( العرب اليوم )