الشعب يريد عدالة ضريبية

لم تفلح جميع برامج الإصلاح التي وضعتها الحكومات في إرساء نظام ضريبي عادل، يسهم في إعادة مكتسبات التنمية، ويعيد توزيع الثروات بشكل يحقق الحد الأدنى من العدالة.
الجدل حول الإصلاح الضريبي لا ينتهي، تماما كما هو الحال مع قوانين الإصلاح السياسي، خصوصا وأن جماعات ضغط ومصالح تقف خلف تأخر إقرار قانون الضريبة، بالضبط كما يحدث مع القوانين السياسية الخلافية.
بيد أن قانون الضريبة تضعه الدولة بمؤسساتها المختلفة، والغاية الأساسية منه توفير إيرادات محلية للخزينة تغنيها عن الاعتماد على الخارج، وتساعدها في أداء مهماتها تجاه المجتمع.
وثمة فرصة حقيقية لزيادة الإيرادات الضريبية من خلال تعديل القانون الحالي، والتخلص من عيوبه، بحيث يكون أكثر عدالة، ويزيد موارد الدولة لتحسين مستوى الخدمات والارتقاء بمستوى معيشة شرائح واسعة من المجتمع.
ما حدث خلال العقد الماضي أن الحكومات غيّرت كثيرا في قوانين الضريبة، ولم يستقر الحال بعد على تشريع بعينه. وقد بالغت الحكومات في الاعتماد على ضريبة المبيعات كمورد رئيس للمال، بينما الأساس في تحقيق العدل مرتبط بشكل وثيق بضريبة الدخل التي أهملتها الحكومات، فجعلتها مصدرا ثانويا للإيراد، بعكس ما يحصل في كثير من الدول.
النظام الضريبي القائم أسهم، للأسف، في زيادة الفجوة بين الفقير والغني؛ إذ أدى التركيز على ضريبة المبيعات إلى جعل الفقير مصدرا للإيراد قبل الغني. وأدى التخبط الرسمي في إقرار القانون في خلق بيئة أعمال منفرة، خصوصا وأن التشريعات الضريبية تعد الأساس لخلق بيئة استثمار جاذبة.
هذا الطرح يستفز أصحاب الثروات المتهربين من الضريبة، وفق أطر قانونية وتشريعات تعجز عن الحد من التهرب الضريبي الذي تقدره دراسات رسمية بحوالي نصف مليار دينار، وتحديدا في قطاع المهن، من أطباء ومحامين، رغم توفر نماذج ساعدت كثيرا من البلدان على تجاوز هذه النقطة.
ومثل هذا الطرح يغضب أصحاب المداخيل المرتفعة من المهنيين وغيرهم، ممن يتفننون في استنباط أساليب لسرقة حقوق الخزينة، ويقصرون كثيرا في أداء دورهم المجتمعي تجاه الشرائح الفقيرة والمتوسطة.
المتهربون من الضريبة هم من أصحاب الأصوات العالية. وفي كل مرة يجري الحديث عن إصلاح ضريبي، يرفعون أصواتهم ضد كل من يطالب بمحاربة مسلكياتهم التي لا توصف بأقل من أنها جريمة اقتصادية، على الجهات الرسمية الحد منها.
والضريبة المستوفاة من الأشخاص الطبيعيين أيضا غير عادلة، وثمة مبالغة في الإعفاءات الممنوحة وفق القانون، باحتساب 7 % عن كل دينار من 12 ألف دينار الأولى التي تلي الدخل المعفى، والبالغ 24 ألف دينار، لترتفع النسبة عقب ذلك إلى 14 % عن كل دينار يزيد على ذلك. وأظن أن الأطباء والمهندسين والمحامين المتخوفين من تسديد الضريبة هم أشخاص طبيعيون.
وغير ذلك، لدينا تشوهات كثيرة في قانون الضريبة، أهمها أن نصوص القانون، وتحديدا ما يتعلق بالضريبة على القطاعات، غير منسجمة مع الدستور، ولا تلتزم بالتصاعدية التي ينص عليها.
وتجاوز هذه النقطة الخلافية يتطلب أن توضع نسب تصاعدية تتوزع على شرائح تخضع لها القطاعات الاقتصادية جميعا، بغض النظر عن القطاع؛ وأن تُعتمد نسبة الضريبة المفروضة على صافي الدخل المتأتي؛ إذ ما معنى أن تدفع شركة صناعية تربح مئات الملايين ضريبة بنسبة
15 %، فيما تدفع شركة اتصالات تحقق نسب أرباح أقل نسبة 30 %!
العدل يقتضي أن يدفع الجميع على صافي الدخل نسبا متساوية، وليس تبعا للقطاع، ففي هذا تمييز سلبي ضد البعض.
الحكومة ستعرض مشروع القانون المعدل لقانون الضريبة على الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، والتكتم الذي يلف التعديلات المقترحة غير عادي، ولربما تسعى الحكومة إلى مفاجأة الجميع بقانون ضريبة عادل ومنصف للبلد ولدافعي الضرائب.. لننتظرْ ونرَ!
( الغد )