حقوق وواجبات في إطار العملية الانتخابية

هناك ثلاثة تنويعات على الموقف «المعارض» في اطار التعاطي مع العملية الانتخابية : هناك من يعلن مقاطعته للانتخابات ترشيحا وهي رؤية احزاب سياسية لها كل الحق ان تعلن موقفها هذا وهو بالتاكيد منسجم مع مفهوم الحريات العامة المكفولة دستوريا .. وهناك من يقاطع عملية التصويت او يدعو لها الناخبين لافقاد العملية الانتخابية شرعيتها عبر خفض نسبة المشاركة وهذا ايضا حق مكفول دستوريا لكن الدعوة لعدم التسجيل في قوائم الناخبين هي ما ينبغي نقاشه ليس من الوجهة الدستورية فقط بل ومن الوجهة الاخلاقية ومدى الحاقها الاذى بحقوق الناس.
من لا يضمن وجود اسمه في قوائم الناخبين لا يمكن اعتباره مقاطعا بل ليس صاحب حق في المشاركة باعتبار انه افقد نفسه الحق بان يكون من الهيئة الناخبة اذ ان من يُسجـِل له موقفا معارضا من الانتخابات كمقاطعتها ينبغي ان يكون اولا ضمن قوائم الناخبين ثم يمارس حقه السياسي في المشاركة او المقاطعة.
لا اظن ان اشتمال الدعوة لمقاطعة الانتخابات تكتسب موقفا وطنيا حين تشتمل العزوف عن التسجيل اذ ان عدم التسجيل لا يعني الاعتراض على صيغة انتخابية ما بل يتعداه الى موقف تكفيري يرفض الديمقراطية كفكر انساني.
في تقديري ينبغي ان يثبت المرء حقه في اعلان موقف من العملية الانتخابية بوصفه ناخبا مسجلا في قوائم الناخبين حتى يعلن موقفا معارضا فيقرر المقاطعة وغير معارض ان قرر المشاركة .. اما ان يضع المرء نفسه خارج العملية الديمقراطية فهو بذلك يتخذ موقفا عدميا من الدولة كإطار جامع وليس من سياسات السلطات فيها وهو بهذا كانه يدعو الى تبني صيغ ما قبل الدولة في ادارة الناس.
من جانب اخر فإن موقف المعارضة يرى ان المشاركة في الانتخابات المزمعة لن تجدي نفعا في نقل البلاد الى محطة جديدة في المسار الديمقراطي في ظل الصيغة القانونية القائمة بيد ان هذا الموقف يصبح ذا مضمون وطني حين يكون منسجما مع حث الناس على تكييف اوضاعهم القانونية من خلال اعتماد اسمائهم في قوائم الناخبين حتى لو ارادوا المقاطعة فشتان بين من يدعي المقاطعة وهو ليس ناخبا بالاصل وبين ناخب قرر المقاطعة.
نحتاج الى ان نتدرب على اسس المعارضة الديمقراطية اذ ينبغي توضيح حقوق الناس في ان يكونوا ناخبين في بلدهم ثم يمكن لهم ان يعترضوا على القانون القائم من خلال مقاطعة العملية الانتخابية.
ان مشكلة العملية الانتخابية في البلاد هي تدني منسوب الثقة في شفافية العملية وليس فقط في طبيعة القانون الانتخابي، اذ ان العزوف يشكل الخطر السابق على خطر المقاطعة فالانكفاء الذي يمارسه المواطنون ليس موقفا حزبيا بقدر ما هو موقف انسحابي وربما اذا ما جرى ذات يوم توافق بصورة ما على شكل النظام الانتخابي بين القوى الرئيسة في البلاد ستواجه المعارضة والموالاة نفس العنت في دفع الناس الى الصناديق.
نحتاج الى التفريق بين الموقف الحزبي (وهو حق مكفول) والموقف الوطني وهو واجب اخلاقي قبل ان يكون سياسيا وهذه مهمة العقلاء في المعارضة قبل الموالاة. ( الرأي )