جريمة في حق الأردن ..
المدينة نيوز- إذا كان التقدم والرقي الحضاري هو الغاية التي يسعى مجتمعنا - على نحو لا جدال فيه – إلى تحقيقها فإن ثمة أمرا لاجدال فيه أيضا.. ألا وهو أن تحقيق هذا التقدم و الرقي لا يأتي جزافا وإنما ثمة مقومات لابد من توافرها حتى يمكن تحقيق ذلك التقدم .... هذه المقومات وضع ملامحها الفلاسفة و المفكرون ، وتتبع أثارها فلاسفة التاريخ والحضارة المبرزون بداية من ابن خلدون، ومرورا بأوزفلد شبنجلر ، و ول ديوارنت وانتهاء بارنولد توينبي وجاك مريتان ... وقد برز تماسك النسيج الاجتماعي المرتكز إلى بنية أخلاقية قوية كواحد من أهم هذه المقومات لدى هؤلاء الفلاسفة.
ويحق لنا هنا أن نتسائل هل الوضعية المجتمعية التي يعيشها بلدنا حاليا ترتكز إلى بنية أخلاقية قوية تمكنها من تحقيق ذلك التقدم و الرقي الحضاري؟
إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا و نسعى بالفعل إلى الارتقاء بمجتمعنا فإن الإجابة علي هذا التساؤل لا ينبغي أن تنبع مما نتمني أن يكون عليه واقع مجتمعنا .. وإنما ينبغي أن تنبع من الواقع الذي نعيشه ونلمسه لحظه بلحظة.
وإذا تأملنا بعين الناقد هذا الواقع نجد أن التماسك الاجتماعي و الاخلاقي لمجتمعنا يتعرض إلى خطر لا يمكن أن تخطئه عين .. و لعل نظرة واحدة لمظهر وسلوك كثير من أبنائنا وبناتنا – لاسيما من هم في المرحلة الجامعية- كفيله بادراك هذه الحقيقة ...
فلا مراء أن إغفال الكثير منهم لطبيعة المهام المنوطة به في هذه المرحلة التعليمية وسعيه لإشباع شهواته ورغباته - و التي تكون غالبا خارج نطاقها المشروع - دليل ساطع علي هذه الحقيقة .. حتي لنجد حكومتنا ممثلة في وزارة الصحة - وكأنها تسلم بهذه الوضعية – تسعى جاهدة إلى وقاية الشباب من الأثار الصحية لهذا الإنحلال الأخلاقي عبر ما تطرحه من نصائح في حملاتها للوقاية من الإيدز... نصائح تتمثل في تعريف الشباب بكيفية ممارسة الجنس الآمن..لا في كيفية حماية هؤلاء الشباب من خطر الإنحلال الاخلاقي الذي تعد ممارسة الجنس خارج نطاقة المشروع ذروة سنامه.
وفي ظل الاهتمام الذاتي من قبل كاتب هذه السطور بتتبع مدي انتشار الجنس غير المشروع في مجتمعنا على النحو الذي دفع وزارة الصحة الي الدعوة الي ممارسته بصورة أمنه ... و في ضوء ما أثارة المقال الذي كتبه ونشر في العديد من الصحف الورقية و المواقع الالكترونية حول مدى ما تشير إليه البوسترات التي نشرتها وزارة الصحة من اعتراف بوجود هذه الممارسات علي نحو ليس بالهين... في ضوء كل ذلك تناهى إلى علم كاتب هذه السطور معلومات عن إنتشار الرذيلة بشكل يبدو قريبا إلي الصورة المنظمة.... فقد تلقى الكثير من الاتصالات علي أثر هذا المقال من قبل بعض الغيورين على مستقبل بلدهم تشير في مجملها إلى وجود ظاهرة تعد جريمة في حق مجتمعنا الأدرني المحافظ ألا وهي وجود بيوت للدعارة لاسيما في المدن الرئيسية الكبرى – وأن ثمة أماكن تسمى بنوادي أو ملاهي ليلية وأخرى تسمي بمحلات المساج،هذا بالاضافة إلى مقاهي الانترنت يمكن أن تمثل بيئة مناسبة لنمو هذ الظاهرة المفزعة .. بل ثمة ما يشاع عن تأجير شقق مفروشة لمدة ليلة أو ساعات قليلة مقابل مبالغ كبيرة لتسهيل ممارسة الفاحشة ... وثمة ما يشاع عن استقدام بعض المجرمين في حق المجتمع لبغايا من دول مختلفة بتصاريح عمل وهمية ثم التربح من استخدامهن في ممارسة الدعارة.... وغير ذلك الكثير من المظاهر و المؤشرات التي يصعب أن نسردها في هذه المقالة القصيرة
ورغم أن هذه المعلومات التي تلقيتها من البعض قد يكون الكثير منها عاري عن الصحة ، إلا إننا لايمكن أن نجزم أنها غير صحيحية بالمرة .. وبالطبع فإن صحة ولو نسبة قليلة من هذه المعلومات هو طامة كبرى ... ذلك لأن ما يمكن التعرف عليه بيسر من الممارسات الداعرة قد لا يمثل إلا نسبة ضئيلة جدا مما يتم في الخفاء في مجتمع يحرم دينه هذه الممارسات ويجرمها قانونه .
وإذا كان وجود هذه الظاهرة هو أمر لا يمكن الجزم به.. فإن إنكارها هو أمر لايمكن أيضا القطع به .. وبالطبع فان مجرد احتمال وجود هذا المرض السرطاني الذي يتوغل في الخفاء في جسد المجتمع كفيل لدفع كافة الأجهزة المعنية بأمن هذا البلد وسلامته و الحريصة علي رقية و تقدمة، أن تتحرك للتأكد من وجود هذا المرض من عدمه .. وإذا ما تاكدت هذه الاجهزة من عدم وجود هذه الجريمة التي تتم في حق المجتمع و تسهم في تفسخة و تعجل بانهياره فبها ونعم ... ولن تخسر في ذلك إلا قليلا من الجهد... أما إذا كانت هذه الجريمة موجودة بالفعل وبخلنا ببذل قليل من الجهد لاكتشافها كمقدمةلاستئصالها فاننا سوف نخسر كثيرا .... خسارة تعرض مجتمعنا ومستقبله للخطر الجسيم .
و لا مراء أن تهاون الأجهزة المعنية في السعي إلى اكتشاف حقيقة هذه الظاهرة كمقدمة للتصدي لها يعد جريمة في حق المجتمع قد لا تختلف في أثارها عن جريمة نشر هذه الرزيلة والترويج لها.
بل إن التهاون في الكشف عن مدى وجود هذه الظاهرة من عدمه يضيع الفرصة علي التربويين و الدعاة و علماء الاجتماع و المصلحين الاجتماعيين وغيرهم من المخلصين من أبناء هذا المجتمع في الاطلاع بدورهم في إنقاذ مجتمعهم من الدمار الاخلاقي و القيمي الذي يمكن أن يخلفه هذا المرض الخبيث .
وفي النهاية هذه صرخة في البرية آمل أن تصل الي آذان كل أردني يحب أن يرى بلده مستقرا مطمئنا .. يحتل مكانة أخلاقية وحضارية رفيعة بين غيره من بلدان الدنيا.
د.عزام عنانزة
أستاذ الإعلام بجامعة اليرموك
elananza@yahoo.com