جلال النحاس.. وداعا !

كثيرون منا، مروا على المتاريس ومعسكرات الاعتقال والفدائيين وامضوا سنوات أو أسابيع أو ساعات في زنزانة أو قاعدة أو منفى.. لكن ايا منا ومنهم لم يعرف ويجرب كما عرف وجرب جلال النحاس.
من مادبا وموسكو لدراسة الطب ثم الانقطاع عن الدراسة والالتحاق بالمقاومة الفلسطينية في لبنان..
لم يذهب الى المكاتب ولا الى دائرة العلاقات العامة حيث الرحلات والمؤتمرات والفنادق والمنتجعات (الصحية) لثوار آخر زمن، بل اختار القواعد والتدريب وتعليم الخلايا السرية تصنيع المتفجرات..
ومن بين يديه انطلقت اكثر من دورية ومجموعة فدائية الى قلب العدو الصهيوني ، وكان من اشهرها المجموعة التي اقتحمت مستوطنة ترشيحا (معالوت) وضمت اردنيا آخر هو محمد الدردور الذي مضى شهيدا مع رفاقه من الفلسطينيين والعرب..
وعلى مرمى البحر من جهة وهضاب فلسطين من جهة ثانية، كان جلال النحاس يسجل ذكرياته بلغة شاعرية مرهفة حجبها الرصاص والغارات وواجبات القتال اليومية في تلك الانحاء الخضراء من جنوب لبنان، جبل التفاح والهبارية والغندورية والعرقوب، ارض الشيح والزعتر والندى الخفيف، يمسح وجوه المقاتلين مسحا رحيما بين يدي هذه الذكريات التي تركها الصديق الغالي الراحل، جلال النحاس، قبل ان تشرق عليها شمس، فلا اتبين ان كانت نصوصا شعرية لمساحة الخيال فيها ولاتساع الرؤية والظلال كأنها منذورة او مكتوبة لمساءات غامضة، او ان كانت نصوصا روائية لروحها الملحمية المحبوكة عبر خيوط ومستويات درامية متداخلة..
ومن ذاكرة الجنوب في لبنان الى ذاكرة الجنوب في مادبا التي غمرت سالم النحاس قبله برائحة المنحدرات المقدسة على مرمى القدس واريحا وبحر الملح والاساطير ومن قبل سالم، غالب هلسا، رفيق النحاس على متاريس بيروت ضد الامريكان والصهاينة والرجعيين، وما بينهما جنوبا شربل هلسا، وفهد العبيدي، اولاد من قرى الجنوب تعلموا اليسار مع الحصادين وذهبوا شمالا وذهبوا جنوبا، وشرقا غربا وحملوا السلاح حينا، وحينا دفاتر الرفاق..
فيا يا تراب الارض، يا تراب مادبا ترفق بالغالي، جلال النحاس واحضنه في اعماقك مثل ابن طيب.. هللويا...
( العرب اليوم )