عن نظرية المؤامرة .. هذه الايام !

كلما ألمّ بنا خطب يكثر الحديث عن نظرية المؤامرة وهو تعبير عائم غائم لكنه يعني عند اكثر الناس وجود مؤامرة تحيكها ضدنا هذه الدولة او تلك ! وهم بذلك يخلطون بين سياسات يجري التخطيط لها علنا وفي ضوء النهار وبين (( مخططات سرية )) لا تفصح الدول عنها إلا بعد سنوات طويلة ، كل حسب قوانينها .. ومن أقرب الامثلة على ذلك ما يتردد هذه الايام عن وجود مؤامرة لتقسيم العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن وحتى مصر الى دويلات طائفية ومذهبية أو عرقية على غرار مؤامرة سايكس بيكو التي قسمت منطقة المشرق العربي بعد تحريرها(!) من الحكم العثماني الى خمسة اقطار فكانت العراق وفلسطين وشرق الاردن من نصيب الانتداب البريطاني وكانت سوريا ولبنان من نصيب الانتداب الفرنسي، ولا اعتقد أن هناك شبهاً بين حالتين يفصلهما فارق زمني يبلغ مائة عام تقريبا، صحيح أن الدول الكبرى ما زالت تسعى لتحقيق اطماعها لكن شعوب اليوم تغيرت فقد ثارت هذه المرة تونس ومصر واليمن وليبيا دون ان يدفعها أو يخدعها أحد، وحين نضجت الظروف التاريخية في سوريا وليس بايعاز من دولة اجنبية تحركت جموع المواطنين فيها لتواجه دبابات الطغيان وقدمت في عام ونصف عشرات الآلاف من الضحايا وعانت البلاد ويلات التدمير والتشريد والرعب ، فهل من الانصاف الآن أن يقال لهذا الشعب أن ثورتك مؤامرة وأنك مجرد لعبة في يد الآخرين وأنك تقبض من دول البترول ثمن دم ابنائك ودمار مدنك وأن ابناءك المقاومين هم عملاء ومرتزقة وان قادتك الوطنيين المناضلين مسلوبو الارادة ومطايا لباريس ولندن وواشنطن ؟
من المفروض بداهة أن تقوم كل دولة في العالم بوضع سياساتها وخططها فيما يتعلق بالدول الأخرى خصوصاً أثناء الازمات حسبما تمليه مصالحها أو مصالح حكامها أفراداً كانوا أو عائلات أو حتى شركات Corporates كما في الدول الكبرى ذات الاهداف الاستعمارية والتوسعية ، وأن تستخدم في التنفيذ شتى اساليب الدعاية والتجسس والتدخل بالمال والسلاح والمرتزقة، وبالرغم من انها سياسات وخطط غير سرية فهناك من يصرون على ان يسموها مؤامراتٍ تُدبَّر ضدنا وحدنا من بين كل أمم الدنيا، وهم باستشهادهم بواحد مثل برنارد لويس الذي يلغي في تحليله التاريخي (!) كل دور للشعوب ، فانهم – ومنهم جدليون علميون – لا يختلفون عن اولئك الذين يصدقون نبوءات نوسترا داموس !
وبعد .. فاخطر ما في التسليم بنظرية المؤامرة هو الاستسلام لها وكأنها (( قدر)) لا يُرد ولا تنفع معه المقاومة وكفى المؤمنين شر القتال ، أو كأن النضال الوطني وثورات التحرير عبر التاريخ مجرد عبث واوهام فالنتائج كانت مرسومة محسومة ولا حول ولا قوة الا بالله ! ( الرأي )