سيناريوهات ثلاثة

ثلاثة سيناريوهات، يجري تداولها عند الحديث عن «الاستحقاق الانتخابي» المُقرر -مبدئياً- اتمامه قبل نهاية العام الحالي: الأول: اجراء الانتخابات في موعدها الافتراضي، قبل نهاية العام الجاري، في ظل القانون الحالي، من دون تعديل، وفي مناخات «المقاطعة» و «العزوف» التي تشير اليها وتيرة الاقبال على التسجيل.
الثاني: تدخل ملكي، وان في ربع الساعة الأخير، لفتح قانون الانتخاب من جديد، وبصورة تسمح بتجاوز المقاطعة، و«تنشيط» عمليات التسجيل، واستتباعاً رفع نسب المشاركة في الاقتراع.
الثالث: وقف (ارجاء) العملية الانتخابية برمتها، كأن يُصار الى «الابقاء» على البرلمان الحالي لدورة عادية ثالثة، تنتهي ربيع العام المقبل لتُجرى الانتخابات في الصيف القادم، أو كأن يجري اعلان حالة الطوارئ في جزء أو جميع انحاء المملكة، ارتباطاً بالتطورات الاقليمية المحيطة بالأردن، وتحديداً الأزمة السورية، وربما في ضوء تصاعد نذر المواجهة العسكرية بين اسرائيل وايران.. ما يعني حكماً «حل البرلمان» وارجاء الانتخابات حتى اشعار آخر.
من وجهة نظر «المصالح العليا» للدولة الأردنية، كما يراها كاتب هذه السطور، فان السيناريو السيناريو الأول هو السيناريو الأسوأ للأردن، لأنه ببساطة سيفضي الى زيادة التوتير والاحتقان ومشاعر الاحساس بالغبن والاقصاء والانقسام، وسيفضي الى «اعادة انتاج سيرة برلمانات الصوت الواحد»، وسنكون أمام برلمان سابع عشر، «بلا نصاب سياسي»، برلمان هو جزء من المشكلة بدل أن يكون وسيلة الحل ورافعته، وستضع الانتخابات في حالة كهذه، الأردن خارج سياقات الربيع العربي وتحولاته، وهو الذي كان في منزلة متقدمة على جواره، خصوصاً لجهة العلاقة بين «نظامه السياسي» و»حركته الاسلامية».
السيناريو الثاني، سيرسم معادلة ستبدو معها الصورة وان شكلياً، كما لو أن فريقاً انتصر على الآخر، ونجح في فرض ارادته عليه، فضلاً عن تكريسه صورةً لـ»دولةٍ» تُدير سياساتها بـ»نظام المياومة» ومن دون رؤية وتقدير دقيقين للموقف بمختلف أبعاده وتجلياته وتداعياته، ناهيكم عن العوائق التشريعية التي قد تقفز الى السطح، فضلاً عن «سيف الوقت» الذي يكاد يقطعنا بدل أن نقطعه.
السيناريو الثالث، ربما يمكن ادراجه في سياق «أبغض الحلال»، وقد ينشأ عن «الوضع السيىء» الذي سيأتي به ويترتب عليه، «وضعٌ حسن»؛ فهو يوفر مدخلاً لتفعيل «معادلة رابح- رابح»، وهو سيقدم لصانع القرار ومختلف الأطراف «سلالم» للهبوط الآمن من فوق قمم الأشجار التي صعد الجميع اليها، وهو سيمنح مختلف الأفرقاء فرصة لـ»اعادة زيارة» مواقفهم وسياساتهم، وبصورة تفسح المجال رحباً، لاعادة بناء التوافق الوطني حول قانون الانتخاب.
من الناحية القانونية والدستورية، ليس ثمة ما يمنع من ارجاء الانتخابات، فالبرلمان لم يُحل بعد، وموعد الاقتراع العام لم يتقرر رسمياً، لكن الارجاء على هذا النحو، دونه عوائق عديدة، من بينها أنه سيُعطي الانطباع بـ»انكسار هيبة الدولة»، أولاً، لأنه يتم في ظل الاقبال المتدني على التسجيل (20 بالمائة فقط حتى كتابة هذه السطور)، وثانياً، لأن «لعبة المقاطعة/ المشاركة» دخلت ما يشبه «مرحلة كسر العظم»، لا أحد يريد لـ»الدولة» أن تفقد هيبتها وسلطانها.
يبقي سيناريو «الإرجاء» المرتبط بالتطورات الاقليمية و»اعلان الطوارئ»، وهو سيناريو يبدو محبباً ومفضلاً لدى بعض الأطراف، بمن فيها قوى «غير عرفية» ترى فيه «أهون الشرور» وأقل الخيارات سوءاً حين يكون الاختيار محصوراً من بين قائمة محدودة من «الخيارات الأكثر سوءاً».
الارجاء بحد ذاته، ليس خياراً، الارجاء المقرون والمشروط بارادة اصلاح العملية الانتخابية والحياة البرلمانية الأردنية، المُندرج في سياق مشروع أشمل وأوسع للاصلاح السياسي والاقتصادي، يمكن أن يكون بديلاً (مخرجاً)، شريطة أن لا يكون ارجاءً مفتوحاً، أو من باب «ترحيل الأزمات»، في ظني أن خطوة كهذه، ستوفر للأطراف فسحة «لالتقاط الأنفاس» وتقييم صورة الوضع في الاقليم وانعكاساته على الأردن وأوزان وتوازنات القوى بين مختلف اللاعبين المحليين، وساعتئذ، لكل حادث حديث.
( الدستور )