تصنيع الطغاة!!

تم نشره الإثنين 03rd أيلول / سبتمبر 2012 01:49 مساءً
تصنيع الطغاة!!
خيري منصور

هذه حرفة حرص فقهاؤها ودهاقنتها على بقائها وصفة سرية، فهي لا تدرس في معاهد أو اكاديميات، ونادراً ما تصور كتب حولها من طراز كيف تصبح مليونيراً أو كيف تتقن لغة ما خلال أسبوع بالرغم من ان نتائجها تسبقها رائحة تزكم الأنوف لأنها مفعمة بالدم.

وكانت هذه الصناعة ذات يوم آسيوية بامتياز، لكن ما من حضارة أو امبراطورية سلمت منها، ونموذج كاليغولا الذي عالجته مسرحيات وأفلام لم يبق حكراً على الرومان.

فهذا الطاغية الذي أراد أني يقطف القمر كبرتقالة من السماء وعيّن حصانه رئيساً لمستشاريه وجد في كل الأزمة، وحمل أسماء مختلفة، وحين ودعته البشرية ظناً منها أنه لن يعود عاد من الجهة الأخرى عندما أفرزت حتى الثورات الكبرى طغاتها كما حدث للثورة الفرنسية التي كان ابنها البكر الامبراطور بونابرت.

وتصنيع الديكتاتور أو المستبد له مادة خام ككل الصناعات، لكنها من صميم الوضع البشري على هذه الأرض ومن صلب التكوين السايكولوجي للانسان.

وهذا ما عرضه مسرحياً ذات يوم جان بول سارتر في كتابه طفولة الزعيم لوسيان.

ولأن المادة الخام لهذه الصناعة هي الغرائز وما يسميه علماء الأحياء الخلايا الزواحفية في الدماغ، فان للطاغية شروطاً لا بد من توفرها منها الاستعداد الفطري للاحتكار واقصاء الآخر، والفائض في شهوة التسلط والعدوان، وحين يتولى فقهاء هذه الصناعة تنمية كل ما هو سلبي وشيطاني في المُسْـتبد يحرصون أولاً على قراءة مزاجه, وبالتالي تقديم كل ما يروق له ويرضيه، فسيمعوه من الثناء ما يشحذ غريزة السطو لديه، ثم يتولون في المرحلة الثانية تبرير أخطائه وتزيين خطاياه.. وهذه الكيمياء تحول الرذائل الى فضائل والحمق الى دهاء.

واول ثمار هذه المهنة هي تصديق المُسْتبد أو الطفل لوسيان كما في مسرحية سارتر ما يقال له عن ذاته، بحيث يكتمل لديه الشعور بالمعصومية، لهذا فان فقهاء هذه الصناعة أشد خطراً من المصنوع لأنهم قادرون على تكراره الى ما لا نهاية وان كانوا أول من يتخلى عن المصنوع لمجرد انه فَقَد نفوذه.

أما تقنية هذه الصناعة ومهاراتها فهي تتجلى في التنافس على اتقان دور الببغاء، بحيث يكون ترديد الصدى بديلاً لأي تفكير أو صدور رأي عن الذات.

وقد قرأت كثيراً عن هذه الصناعة، لكن ما استوقفني منذ زمن هو حوارية سومرية دارت بين طاغية وعبد، فقد قرر الطاغية ان يتخلص من ذلك العبد رغم اخلاصه لأنه يردد كل ما يسمعه من سيده بلا زيادة أو نقصان، فما دفع السّيد الى ان يقول لعبده المطيع.. ان واحداً منا يكفي ما دمنا نقول الكلمات ذاتها ونرى الأشياء بعينين اثنتين فقط وليس بأربع عيون!! ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات