شركاء موائد الفساد .. ؟
المؤسسات , كما البشر لها مراحل تطور ونمو طبيعي وهي أن لم تجد إدارات كفوءة تأخذ بأسباب الوقاية من وصولها إلى حالة الترهل ، ومن ثم الموت الطبيعي فهي – لاشك - تسير بهذا الاتجاه 00 ولعلنا لا نفشي سرا إذا قلنا إن الكثير من مؤسساتنا تعاني من حالة الكهولة التي أخرجتها من دائرة المنافسة ، وحرمتها من تحقيق فعاليتها المنشودة داخل منظومة العمل المتكامل الذي يأخذ بعين الاعتبار حالة التغير البيئي الذي يتطلب تجاوباً مدروساً وعلمياً ، وله سيناريوهاته الموضوعة مسبقاًُ من الإدارات العليا 0
وإذا كان كثير من مؤسساتنا الحكومية قد استسلمت لقدرها في المرور بمراحل العمر المختلفة وصولاً إلى المغادرة ، فان مؤسسة الفساد طرحت نفسها بقوة بيننا لتؤكد أنها مؤسسة فتية ومتجددة الشباب ، إذ أثبتت قدرتها على إنتاج مكوناتها وآلياتها بطريقة عنكبوتية يصعب اختراقها بسهولة 0
وباعتبار إن مؤسسة الفساد لم تطرح في الأسواق على أنها مؤسسة قانونية فأول ما أنجزته لنفسها هو الوسائل اللازمة لتحقيق ذاتها من القانون وابتداع أساليب جديدة للالتفاف عليه ، مما يجعلها في مأمن من الملاحقة والمعاقبة كما يخيل لها 0
ولعله من البديهي والطبيعي والمفهوم إن تبذل مؤسسة الفساد كل جهدها للحفاظ على وجودها وتغلغلها بين المؤسسات جميعها ، إلا أن ما هو غير طبيعي وغير مفهوم أن تكون آليات معالجة الفساد ومواجهته والوقاية منه ، متخلفة أحيانا ، بل تسهم في أحايين أخرى ، سواء عن قصد أو غير قصد ، في إطالة عمر مؤسسة الفساد وتفرع اذرعها في كل مكان ، سواء كانت هذه الأذرع متورطة حقاً في الفساد كجرم أم مغلوب على أمرها تنفذ ، بحكم التقليد أحيانا والتبعية في أكثر الأحيان ، ما يصلها من قرارات وايعازات وأوامر 00
إن أول المناخات التي تستفيد مؤسسة الفساد منها هي غياب قيمة الزمن لدى المؤسسات المعنية بالرقابة والمتابعة وقياس الأداء ، ذلك إن الزمن كقيمة لا يقاس بشكل رقمي ، بل يقاس بعائدية هذا الزمن سواء لجهة تعاظم الإخطار والإضرار أم لجهة فوات الربح على الدولة ، أم لجهة نظرة الجمهور المطلع ، أو العارف ، أو العالم بوجود فساد متروك رغم مرور الوقت ، ورغم رائحته التي تزكم الأنوف 0
ولو أجرينا ، في أي وقت ، بعض استطلاعات الرأي في الشارع الاقتصادي أو الإداري أو حتى في الشارع العادي ، لوجدنا إشارات بالكلمات أو الأصابع إلى مواقع للفساد لا تمس أحياناً , أو تبقى تحت عمليات التفتيش والرقابة اوقاتاً طويلة , وتنتهي في بعض الأوقات إلى لا شيء , أو إلى شيء بسيط لان الارتكابات تموت بفعل التقادم المفتعل 00 ؟!
إن ما ينشأ من إضرار عن صرف النفوذ واستغلال الوظيفة ليس فقط قيمة مالية موجودة ومعترفاً بها 0 بل هناك قيم أخرى غير منظورة تنشأ أحياناً عن تأخر بعض الوزارات والموسسات والادارات والموظفين عمداً عن ممارسة واجبات ومهام في انتظار عروض أفضل وخيارات أكثر ربحية لجيوبهم , وليس للدولة 0
تحت عناوين إدارية تبدأ من التدقيق لتنتهي بالبحث عن (( مصلحة الوطن )) والحقيقة هي البحث عن مصالح ضيقة ومحدودة, وقد لا يكون صعباً التضحية من اجلها بمصلحة الوطن نفسها 0
وفي كل الأحوال , الحرب على الفساد لا يجوز إن تتبع سياسة الحملات التي يفصل بين كل حملة وحملة للفساد , بل جبال من الفساد تكاد تحجب الرؤية , وتضلل المسار , وتجثم على صدر الحقيقة والعارفين بها كما الموت المحتم 00
يجب إن تكون الحرب على الفساد , أيضاً عملا مؤسسيا يكون فيه القضاء آخر المحطات , وتكون فيه الرقابة السابقة والموازية خياراً أساسياً وملزماً , وقرارات المعالجة سريعة لا تفسح مجالاً للمراوغة والمداورة , وربما للوساطة , إن تكون كلمتها مقابل كلمة الحق والحقيقة والصواب 000
إن من صرف نفوذه , واستغل وظيفته لم يولد بيننا بين ليلة وضحاها , بل ترعرع بحماية من يكبره فساداً , وكبر في ظل صانعي مناخ الفساد , وأصبح احد أعمدة مؤسسته على قاعدة : إن من يأكل العشرة يطعم التسعة 00