موت بالسكتة القومية!!

للأمم كما للأفراد دورة دموية ونسبة سكر وأملاح، وحمى وسحايا تلتهب وأنيميا أيضاً، والمؤرخون الذين شبهوا الحضارات واللغات بالكائنات الحية برهنوا على طروحاتهم بما جرى لامبراطوريات منذ الصبّا والعنفوان والربيع حتى الخريف وأرذل العُمر وكانت الامبراطورية الرومانية هي المثال.
واذا كان الانسان يموت بالسكتة القلبية أو الجلطة الدماغية، فان هناك سكتات وجلطات تصيب الشعوب، لكنها لا تشعر بما يحدث لها شأن الأفراد.
ومن يقرأ التقارير المتعلقة بالتنمية والأنيميا معاً حول عالمنا العربي سواء كانت اقليمية أو دولية، يجد أن الاصابة بالغة، ولا بد من فحوص سريعة وشاملة للشرايين القومية التي أصابها التصلب، ولنسبة الضغط التي تهدد الدماغ والعافية الوطنية كلها.
استمعوا جيداً الى ما تقوله فضائيات العرب عن العرب وقارنوا ما تسمعون على الفور بشعر الهجاء الجاهلي، وبوصية الحطيئة وبشعراء النقائض في العصر الأموي، فلم يعد هناك مثالب عرب ومثالب عجم، لأن المثالب الآن كلها عربية اذا جمعنا ما يقوله الاخوة الأعداء عن بعضهم، فالتخوين بلغ الذروة ولم يبق الا تنفيذ الاعدام الجماعي بشكل متبادل، ووراء هذه الفضائيات أو الأكمات، اسرائيل تواصل حذف القدس وما حولها من الجغرافيا العربية ومن التاريخ العربي الاسلامي، وتستأنف الجدار العنصري ولن تعدم هذه المرة من يقدم لها الاسمنت مهرباً وبأسعار منافسة.
لقد أصبح الربيع ربيعها ما دامت قد أصبحت خارج معادلة الصراع بعد أن بدل العرب أعداءهم بأعداء من صلبهم، وما نسمعه أو نشاهده عن فلسطين في زحام هذا الصراع العربي البيني يقل عن مساحة اعلان عن سلعة كمالية وغير ضرورية.
لقد حقق العرب خلال عامين وما سوف يأتي أيضاً ترجمة سياسية وعسكرية لنظرية مالتوس في تحديد النسل، فالمطلوب من العالم العربي أن يصبح بمساحة فلسطين وعدد سكانه بعدد اليهود فيها أي أقل من ستة ملايين.
وحين يتحالف الضغط مع تجلط الشرايين القومية ومع الأنيميا بمختلف أبعادها وتجلياتها فان الموت بالسكتة القومية يصبح متوقعاً.
وقد مهدّت لهذا الموت أنماط عجيبة من الخصخصة الوطنية، بحيث أصبحت كل حارة تقول من بعدي الطوفان وكل دولة أو دويلة تقول ما قاله جُحا وهو ما دامت النار بعيدة عن جسده فلا بأس أن تلتهم جيرانه وأبناءه، لكن النار التهمته مثلما جرف الطوفان قبور من قالوا ليأت من بعدنا الطوفان حتى وهم رميم.
هذه أيام أعسر من كل ما قرأنا عن السقوط العباسي والأموي وادبار الخيول في غرناطة وحروب الطوائف..
وتشخيص الحالة بلا لف ودوران أو خداع لذوي المريض العربي هو خطر الموت بالسكتة القومية.
( الدستور )