متى يستجيب حزامنا؟!

مثل بطيخة مقذوفة يتحطمون، وكأعواد معكرونة رقيقة يتكسرون، أولئك الذين تنتابهم لحظة جنون وهبل، فيقفزون من سيارة نقل (بك آب) مسرعة، معتمدين على قوة بنيتهم ومتانتها، لكنهم ما أن يمسوا وجه الأرض، حتى تصبح سرعة أقدامهم صفراً، فيما تبقى رؤوسهم وجذوعهم العلوية متحركة مندفعة بسرعة مساوية لسرعة السيارة، وهنا تكمن الكارثة الكبرى، فتراهم يتدحرجون ويرتطمون وينقلبون، بطريقة عجيبة (تدشدش) عظامهم، ثم يدفعون ثمن اندفاعهم، بالبقاء طويلاً مصفدين في قوالب الشاش والجبس!.
الإصابات الخطرة تكون من نصيب أولئك الذين لا يتحزمون بأحزمة الأمان، فالحزام يمنع اندفاع الجسم إلى الأمام، عند الوقوف المفاجئ، بحسب قانون نيوتن الأول، فيحميه من الانقذاف من زجاج السيارة، ويبقي الجسم ساكناً مثبتاً ما يجفف من وطء الإصابة.
أما الذين لا يستخدمون الحزام، فقد يواجهون مصير البطيخة.
أحزمة الأمان، ليست كأحزمتنا التي نتخذها في تثبيت سراويلنا الآيلة (للسحل) عند عتبات خصورنا الناحلة، وليست كأحزمة الآباء النزقين، الذين يسلونها بسرعة البرق لسوط أبنائهم العفاريت.
فحزام الأمان اختراع جليل وعظيم وذكي، يستحق مخترعه جائزة نوبل، لأنه لا يعمل إلا في الشدة، وفي أضيق الأوقات، فالحزام إن سحبته بلطف يستجيب وينسحب، أما إن سحبته بعنف فسيمتنع وسيجمد ويثبت، وهنا تكمن فائدته العظيمة، ففي الحوادث وعند أدنى اندفاع سريع للأمام يحمي أجسادنا ويثبتها في المقعد!.
كل الحكومات التي تسير في تقدمها وحياتها تعمد على اتخاذ عدد لا بأس به من أحزمة الأمان، التي تخفف من حدث الصدمات السياسية والاقتصادية التي تعتري المسيرة والبلد، وتعمل في الشدائد وعند حالكات الليالي وعثرات الدروب!.
لدينا العديد من أحزمة الأمان العريضة، التي تتحزم بها كل الحكومات، لمواجهة المصاعب، والتي نسمع بها في كل الخطط الخمسينية والعشرية، لكنها تظل أحزمة مختلفة، فهي تستجيب بلطف، تماماً كما تستجيب بعنف، ولهذا فهي مجرد حزام عادي، لا تقدم ولا تؤخر، ولا تثبت جدارته في الشدائد، وغلو الأسعار، وهزهزات السوق، والوقفات الفجائية، أو تأخر المساعدات المالية!.
في عرف الحكومات التي لا تؤمن بقانون القصور الذاتي، وتعول على قوة الأجسام المتطايرة، فإن أحزمة الأمان لا تكون إلا إكسسواراً وبهرجة، في حياتنا الاقتصادية، وأجندتنا السياسية، وبناء عليه حبذا لو تحول كل تلك الأحزمة العريضة من أحزمة للأمان المفترض إلى أحزمة لشد البطون الخاوية، ولتثبيت السراويل الساحلة!. ( الدستور )