كُن طبيباً ولا تبالِ

يحق للزميلة الدكتورة هند أبو الشعر في مقالتها (شعب من العباقرة) في الدستور يوم أمس، أن تتساءل بمرارة عن عبقرية مجتمع يحصل شبابه على كل هذه العلامات الفلكية في الثانوية. ليس لأنها ابنة جيل عانى في درب علم علاماته كانت (بالقطّارة). ولا لأننا أمام جيل لم يقرأ صحيفة، أو لم يكتب موضوع إنشاء محلق؛ بل لأن هذا المقياس (التوجيهي) بحاجة لإعادة توجيه، أو إصلاح.
تساؤل العبقرية أوقعني في تساؤل مواز، حينما شهدت مسعى ولي أمر إلى وساطة بالحجم العائلي، توازي رئيس جامعة؛ لتسهيل حصول ولده على مقعد طب، على حساب التعليم الموازي. علماً بأن معدله 97,2% فقط!. ألهذه الدرجة وصلت ضاءلة هذا المعدل؟!!.
طفلي جاءنا ساخراً بعد أول في مدرسته الجديدة، لأن معظم أبناء صفه يريدون أن يصبحوا أطباء حينما سألتهم المعلمة عن رغباتهم. وهذا لم يفرق عن وضعي حينما كنت بمثل سنه، فبوصلة جل أبناء صفي كانت تشير إلى هذه الجهة تحديداً.
بالطبع هذه ليست رغبة الأبناء، بقدر ما هي رغبة الآباء والأمهات والمجتمع. فما من طفل أصادفه إلا ويريد أن يدرس الطب، مع أن رغبته الحقيقة قد تكون جانحة إلى التدريس، أو أن يصبح رجل إطفاء، أو فضاء، ولكن الاسم المسبوق بحرف الدال يبهرهم. وهذه عقدة اجتماعية لا أكثر، فحتى بعض المهندسين، لا تقنعهم ميمهم، ويرنون ليسبقونها دالاً، وقد ينسحب الأمر إلى مهن أخرى تصل الأدب أحيانا. فنجد الدكتور الشاعر. مع أن الإسم المجرد يكفي الشاعر!.
في إحصائيات العام الماضي إن أربعة آلاف وخمسائة طالب وطالبة جعلوا الطب خيارهم الأول على البرنامج التنافسي، ولهذا بقَّ وزير التعلم العالي البحصة يوم أمس، وأشار إلى أن عدد الدارسين للطب حالياً 13 ألفاً منهم 3 الاف في اوكرانيا، وتوقع بطالة فيه خلال السنوات الثلاث المقبلة.
لن أغفل الجانب الإنساني للرغبة الصادقة لدراسة هذه المهنة النبيلة عند بعض المجتهدين، ولكن الأمر انقلب إلى مظهر اجتماعي تفاخري، أو اقتصادي رقمي، يبني على مبدأ ظل معششاً بوجدان الأردنيين: (كن طبيباً ولا تبالِ). الأردنيون الذي قدموا لحم أكتافهم في سبيل تعليم أبنائهم، الذين هم رأس مال البلد. ولكن الزمن تغير.
لا يجب إعادة توجيه التوجيهي فقط، ليكون مقياسا حقيقياً، بل أن نعيد توجيه تفكيرنا إلى طرق وأنواع استثمارات جديدة تنمي مجتمعنا. وإعادة توجيه نظرتنا إلى سوق تتغير حاجاتها ومعطياتها، متخلين بعض الشيء عن نفجتنا الاجتماعية الدودية (نسبة لحرف الدال).
( الدستور )