سيناريو متداول للخروج من «الأزمة»؟

الارقام التي أصدرها استطلاع مركز الدراسات في الجامعة الأردنية لم تكن بعيدة عن “السيناريوهات” التي يجري تداولها في “مطبخ القرار” للخروج من الازمة.. وتدشين مرحلة جديدة قد تكون “استدارة” اخرى نحو الاصلاح هذه المرة.
وفق السيناريو المتداول فان منتصف هذا الشهر سيشهد قرارا بحل البرلمان وبموجبه - دستوريا - ستقدم الحكومة استقالتها، ويعهد اليها ترتيب الاوضاع الداخلية، وترطيب الاجواء وتهدئة المزاج العام، ثم الاعداد لمؤتمر وطني عام يتبنى بمشاركة اغلبية القوى السياسية والاجتماعية اصدار “وثيقة” تحدد ملامح المرحلة المقبلة، وخاصة فيما يتعلق بقضايا المواطنة والتشريعات والاقتصاد في اطار ترسيم علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع.
ستأخذ الحكومة فرصة “100” يوم لصياغة برنامجها واستكمال حواراتها والاعداد للمرحلة الانتقالية، وربما يكون “قانون الانتخاب” هو المدخل للوصول الى توافقات وطنية تنهي القطيعة مع القوى السياسية - وفي مقدمتها الاخوان المسلمين - لكن لا تستطيع الحكومة بموجب التعديلات الدستورية ان تصدر قانون انتخاب مؤقتا، وبالتالي فانه يمكن - دستوريا - اعادة مجلس النواب - بعد اربعة اشهر من الحل - للنظر في هذا القانون وتمريره.. وهنا فان تأجيل موعد الانتخابات وارد بقوة.. وقد يحدد في بداية العام المقبل، ومن شأن ذلك ان يحقق “مشاركة” اوسع.. ومدخلا حقيقيا للخروج من حالة “الاستعصاء” التي استمرت نحو عامين.
في سياق ذلك، لا بد ان نتذكر بان عنوان “الازمة” لا يتعلق بالحكومة ولا بالبرلمان فقط، وانما “بالمعادلات” السياسية القائمة التي يفترض ان تتغير، فقد شهدنا في العامين المنصرمين اربع حكومات.. لكن لم يتغير اي شيء، كما ان اداء البرلمان منذ تشكيله ظل كما هو، مما يعني ان مرحلة “الانتقال” تحتاج اولا الى “ارادة” سياسية تؤمن بمشروع الاصلاح وتضمن تحقيقه، وثانيا الى توافقات على “الحكومة” التي سيعهد اليها بتنفيذه وادارة الحوار حوله، ثم الى مناخات سياسية مقنعة ومؤهلة لدفع الشارع الى تهدئة مزاجه والمشاركة في العملية السياسية، وهذه المناخات تحتاج الى افقين: احدهما يتعلق باتخاذ قرارات حاسمة فيما يتعلق بملفات الفساد المعلقة ومحاسبة المتورطين فيها امام القضاء، والاخر تطمين الناس على اوضاعهم الاقتصادية وعدم العبث بهذا الملف نهائيا، وفي موازاة ذلك لا بد من ايجاد آليات تضمن الخروج من “الحلول” الامنية واعتماد منطق “السياسية” في معالجة الاختلافات والاختلالات مهما كانت، كما انه لا بد من اصدار ضمانات حقيقية تلزم الحكومة بتنفيذ رزمة “المقررات” التي يتمخض عنها “الحوار الوطني” المتوقع، سواء فيما يتعلق بقوانين الحريات العامة والانتخابات والاحزاب.. او بما يتعلق “بملفات” علاقة الدولة بمواطنيها.. وغيرهما من الاشكاليات.
اعتقد ان هذا السيناريو ممكن وضروري ايضا، وربما يحتاج الى اضافات وتفاصيل واجتهادات اخرى، لكن المهم أن نخرج من حالة “إنكار” الأزمة إلى حالة “الاعتراف بها” والتفكير جديا في محاصرتها ومعالجتها وتجاوزها، وهذا لا يمكن أن يعهد به للحكومة وحدها في معزل عن “الشارع” والقوى السياسية، فطريق النجاح يجب أن يمرّ بالضرورة في “الحوار” المفتوح على كل الاحتمالات، بلا تدخل وبلا شروط وبلا استثناء أي طرف.
السؤال: هل سنشهد ذلك في غضون هذا الشهر؟ ام ان ثمة سيناريوهات اخرى ستدفع به الى “الادراج”؟ لا ادري، ولكنني اعتقد ان ما حصل في الاسبوعين المنصرمين يكفي وزيادة لكي نحسن قرارنا باتجاه “اصلاحات” حقيقية تلبي “حماسة” الشارع ومطالبه وتتوافق مع المتغيرات الهائلة التي جرت في المنطقة.. ووصلت اصداؤها الينا.. فهذا اقل ما يمكن ان نفعله الان لتجنب ارتدادات “الزلازل” التي ضربت عالمنا العربي.. وتاريخنا ايضا.
( الدستور )