«غضب الضفة» ونهاية «الفياضية»

تم نشره الإثنين 10 أيلول / سبتمبر 2012 12:45 صباحاً
«غضب الضفة» ونهاية «الفياضية»
* عريب الرنتاوي

ما تشهده مدن الضفة الغربية من «إرهاصات» انتفاضة شعبية، ينهض كدلالة لا تخطؤها العين، على تهافت نظرية «بناء الدولة تحت الاحتلال»...وهي «الفلسفة الرسمية» للسلطة الفلسطينية عموماً، وإن حمل لواءها وأجرى ترجمتها رئيس حكومة «تصريف الأعمال»، الأطول عمراً في تاريخ الحكومات المماثلة في العالم.

حلت هذه النظرية عملياً ورسمياً محل نظرية أخرى، عمل الفلسطينيون على تطويرها واختبارها طوال عقود ثلاثة على الاحتلال الثاني (1967)، وأطلق عليها جرياً على دارج لغة ذلك الزمان ومألوف قاموسه، اسم: «نظرية الاقتصاد المقاوم»...وهو الاسم الذي بات يثير سخرية رجالات «العهد الفلسطيني الجديد» الذين صاروا «بقدرة قادر» رجالات دولة (من دون دولة بالطبع) و»بيرنيس» و»مجتمع مدني»، بعد أن أصبحت «الثورة» و»المقاومة» من مفردات العصر الغابر، لا يؤتى على ذكرها سوى في كتب «السيرة» و»المذكرات الشخصية» وذكريات لبنان وحصار بيروت.

لقد نهض رهان هؤلاء على فرضية زرعتها في أذهانهم دوائر غربية وإسرائيلية، بتواطؤ «مشبوه» من بعض الدول العربية، مفادها أن «على الفلسطينيين أن يستحقوا الدولة إن هم أرادوها»، تأسيساً على فرضية سقيمة أخرى مفادها: أن الفلسطينيين لم يحصلوا على دولتهم لأنهم لم يعملوا على بنائها ولم يصبحوا جديرين بها...وكدنا وكاد كثيرون أن يأخذوا هاتين الفرضيتين على محمل الجد، وبصورة كادت تسقط المسؤولية عن كاهل إسرائيل: عدواناً مجرماً، واحتلالاً توسيعاً، واستيطاناً زاحفاً، وعنصرية كريهة، في الحيلولة دون تمكين الشعب الفلسطيني من العودة إلى وطنه وتقرير مصيره بنفسه وإقامة دولته المستقلة.

تقول نظرية «دولة تحت الاحتلال» إننا كلما أسرعنا في بناء مؤسسات الدولة..و»ضبطنا الوضع الأمني»، وأظهرنا نوايانا الحسنة خصوصاً لجهة حفظ أمن إسرائيل، كلما سرعنا في ولادة الدولة العتيدة وساعدنا على استيلادها...وشهدت السنوات الخمس الفائتة، ذروة انتعاش هذه النظرية، ولعب طوني بلير والجنرال دايتون، أدواراً مشهودة في إخراجها إلى حيز الضوء تحت يافطة محلية (علامة تجارية محلية)، تولى توماس فريدمان والإعلام الغربي أمر ترويجها وتسويقها دولياً، وأسميَ بـ»الفياضية».

ولقد بدا لبعض الوقت، أن «الفياضية» باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مراميها...لبس الثوار و»المنتفضون» القدامى الزي المدني، حتى أنهم أحد أبرز نجومهم في جنين تحول إلى نجم على خشبة المسرح، حُلت «الكتائب» و»الأذرع» و»العصائب»، وانتصر شعار «سلاح واحد...شرعية واحدة»، وامتلأت السجون بضحايا «التنسيق الأمني» وانهالت شهادات حسن السلوك على السلطة من كل حدب وصوب، بما في ذلك «المستوى الأمني الإسرائيلي»...ولم يبق سوى تحديد موعد لـ»الاحتفال الكبير» بالإعلان عن استكمال التحول من «شعب تحت الاحتلال» إلى «دولة تحت الاحتلال»، تنتظر الترسيم الأممي والقرار الدولي المُلزم.

وحدها إسرائيل، قرأت «الفياضية» على النحو الذي لا يحتمل «التأويل»..قرأتها كبديل عن «العرفاتية» بما هي مشروع استقلال وطني ناجز..قرأتها كمشروع لتحسين شروط الاحتلال وخفض أكلافه السياسية والمعنوية والمادية...رأت فيها مشروع «منطقة عازلة» أو «شريط حدودي» يفصلها أمنياً عن «مناطق الكثافة الفلسطينية»، ويجعل من «اعتماديتها» أمنياً واقتصادياً على إسرائيل، سبباً في تحويلها إلى ملحق دائم أو امتداد عضوي للاحتلال.

ما تشهده السلطة والضفة اليوم، هو «نهاية النهاية» لـ»الفياضية» بوصفها «التعبير المكثف» عن نهج السلطة، وليس البديل أو «الخروج» عنها» بدلالة دفاع الرئيس عباس المستميت عن رئيس حكومته برغم الخلافات والحساسيات التي باعدت وتباعد بينهما...صيحة الرئيس عباس «أننا مفلسون»، هي التعبير عن إفلاس «الفياضية» سياسياً (قبل أن يكون مالياً)...قول الرئيس أننا «محاصرون» وكل شيء في أيديهم (الإسرائيليين)، هو التوصيف عن بؤس شعار «قوة الفلسطينيين في ضعفهم»، وهو الشعار الذي يلخص أفضل من غيره، وأكثر من غيره، معاني الحديث الأخير للرئيس عباس ومضامينه...

وأخيراً، فإن قول موسى أبو مرزوق إن ما يجري في الضفة مرشح للانتقال إلى غزة، هو قول صحيح تماماً، ويعكس إفلاس نظرية\وهم «الإمارة في غزة»، وهي النظرية المُوجهة لسلوك حماس والمُقررة لسياستها، برغم النفي المتكرر لها من قبل قادة حماس (بالمناسبة أبو مرزوق نفى تصريحاته الأخيرة أيضاً)...وهذا ما سنعود إليه لاحقاً.

الفلسطينيون وصلوا لحظة الحقيقة والاستحقاق: إما مواصلة السير على هذا الطريق، «الفياضية» في طبعتيها، «الضفاوية» و»الغزاوية»، والمقامرة بمشروعهم الوطني، وإما «التفكير خارج الصندوق» والشروع في إعادة تجديد وبعث حركتهم الوطنية التحررية وممثلهم الشرعي ومشروعهم الوطني.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات