تصعيد لا لزوم له

تم نشره الإثنين 10 أيلول / سبتمبر 2012 01:22 مساءً
تصعيد لا لزوم له
سعود قبيلات

اعتقال شباب الحراك، من الطفيلة وحيِّها في عمَّان، إنَّما هو إجراءٌ مستغرب جدّاً، لا ينمّ على الحكمة، ويفتقر إلى الحدّ الأدنى من الشعور بالمسؤوليَّة. فالبلاد لا ينقصها التوتّر كي تتمّ زيادته؛ بل إنَّ المنطقة كلّها موضوعة على فوهة بركان متفجِّر، كما هو واضح لكلِّ ذي عينين، والقوى الاستعماريَّة وأدواتها المحليَّة في حالة سُعار، والخطط الموضوعة قيد التنفيذ في المنطقة الآن تتجاوز تغيير الأنظمة إلى العبث بالخرائط وإعادة رسمها على نحوٍ يتعارض مع مصالح الشعوب والدول؛ وبالتالي، فإنَّ أيّة خطوة تصعيديَّة غير محسوبة يمكن أنْ تضع البلاد برسم المجهول، وتجعلها صيداً سهلاً للطامعين.
 لا أحد، في هذه الظروف الاستثنائيَّة الصعبة، يعرف النقطة الحرجة التي قد تنعطف، عندها، الأمور باتِّجاه اللاعودة، وتصبح خارج سيطرة الأطراف المحليَّة المتصارعة. لذلك، فالحكمة وبُعد النظر يجب أنْ يكونا حاضرين لدى اتِّخاذ أيّ قرار، أو الإقدام على أيّ تصرَّف، لهما مساس بحياة الناس أو بعضهم. وهذا ما تفتقر له، مع الأسف، الحكومة الحاليَّة التي كثُرتْ خطاياها واستشرتْ أخطاؤها.
 البلاد، الآن، لا تحتمل التعامل بردود الفعل المتسرِّعة، أو التصرّف مِنْ وحي الانفعالات الطارئة. لذلك، يجب أنْ تكون جميع الخطوات محسوبة ومتعقِّلة؛ فما مِنْ أردنيّ سيستفيد مِنْ وقوع البلاد في دائرة الفوضى والعنف والدمار الجهنَّميَّة. لكن، مع أنَّ للجميع دوراً مهمّاَ في صياغة معادلة آمنة وعقلانيَّة لإدارة الصراع المحلّيّ، إلا أنَّ المسؤوليَّة الأكبر، في هذا المجال، تقع على عاتق النظام، بمؤسَّساته ومستوياته المختلفة.
 لقد تكرَّر اعتقال شباب الحراك وبعض الصحافيين، في عهد الحكومة الحاليَّة، مِنْ دون أنْ يكون هناك أيّ تطوّرٍ غير عاديّ، في الأحداث، قد يتيح لها التذرّع به لتبرير إجراءاتها المتشدِّدة، تلك؛ وبالتالي، فإنَّنا لا نعرف ما هو الهدف الذي تريد الحكومة تحقيقه مِنْ هذه العمليَّة؟ هل تظنّ أنَّها تستطيع أنْ توقف الحراك أو توهن عزيمته بهذه الطريقة؟ أو هل تظنّ أنَّها يمكن أنْ تعيد عقارب الساعة إلى الوراء عن طريق استخدام أساليب القمع الخشنة؟ أكثر مِنْ ذلك، هل تظنّ الحكومة أنَّه لا يزال لديها مجال لاقتراف المزيد من القرارات الاستفزازيَّة الخطأ؟
 عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، لا بالإجراءات الخشنة ولا الليِّنة؛ والناس لن يقبلون تكميم أفواههم مجدَّداً، مهما كانت الإجراءات المتَّخذة ضدّهم؛ والحراك لن تضعفه الاعتقالات أو تعرقله؛ بل إنَّه يستمدّ زخماً إضافيّاً مِنْ كلّ إجراءٍ حكوميٍّ مِنْ هذا النوع؛ فاعتقال النشطاء السياسيين، إضافة إلى كونه يستفزّ الناس ويستثيرهم ويدفعهم إلى التحدّي، يخلق قضيَّة إضافيَّة مجسَّدة بأشخاص بعينهم، وبالتالي، فإنَّه يسهل حشد الناس حولها وتعبئتهم. وفي النهاية، لن يجد أصحاب القرار مِنْ مناصٍ، أمامهم، سوى العمل على إنهائها بإطلاق سراح المعتقلين، بعدما تكون قد تركتْ آثاراً سلبيَّة إضافيَّة على الأوضاع في البلاد. فما الجدوى، إذاً، من الانخراط في هذه الدائرة العبثيَّة الضارَّة؟!
 لقد أُطيح، خلال السنتين الأخيرتين، بالكثير من المفاهيم والمحرَّمات وقواعد السلوك السياسيّ وأساليب الإدارة الحكوميَّة والقيم الاجتماعيَّة الراسخة والسقوف والمحذورات، في معظم البلاد العربيَّة؛ وهذا وضع لا يمكن تجاهله أو تجاوزه، مطلقاً؛ ولم يعد أمام صاحب القرار العربيّ، سوى التكيّف معه وإعادة بناء تفكيره وسلوكه السياسيّ في ضوئه؛ وإلا فإنَّه يختار لنفسه صورة ودور الدونكيشوت الذي يصارع طواحين الهواء بسيفٍ من الخشب.. قديمٍ ومنخور ومثلَّم. ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات