الحياة.. أفلام!
العنوان.. مجرد اقتباس -اقتضته المناسبة- عن الفلسفة التي يعتنقها «كبير» المفاوضين الفلسطينيين الاكاديمي والاستاذ الجامعي وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير, الذي لمع نجمه عشية انعقاد مؤتمر مدريد (1991) الذي ساقت ادارة بوش ورئيس دبلوماسيتها جيمس بيكر, العرب اليه, بعد حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) والذي انتهى فلسطينياً بعد سنتين تقريباً, الى ما اصبح يعرف منذ تسعة عشر عاماً باتفاق اوسلو, الذي تم التوقيع عليه في مثل هذا اليوم 13/9 من العام 1993 في حديقة الورود بالبيت الابيض الاميركي..
قصدت الاشارة الى الكتاب الذي «ألّفه» الدكتور صائب عريقات تحت عنوان «الحياة مفاوضات» وفيه يدافع عن فلسفة أو رأي أو نظرية (لا فرق رغم الفروق الكبيرة في المعنى الاجرائي لكل كلمة أو مصطلح) ترى في التفاوض حول «أي» شيء وفي «أي» شيء, الوسيلة الامثل والاجدى بدلاً من اساليب أو مقاربات اخرى, لا يرى فيها «كبير» المفاوضين, واقعية أو حكمة أو طريقاً لانتزاع الحقوق, سواء كانت سياسية أم وظيفية أم عقود بيع وشراء أو حتى صفقات تجارية..
ما علينا..
لسنا في صدد «الاحتفال» بذكرى اوسلو, والاحتفالات كما تعلمون, تُقام إما لاستعادة ذكريات جميلة أو لتأبين أعزاء غيّبهم الموت أو مناسبات حزينة, لكن اوسلو لا يندرج بين هذين «الصنفين» فليس ثمة ذكرى جميلة لهذا الحدث «الكارثي», الذي أسس للمرحلة الأخطر في مسار القضية الفلسطينية, عندما وقّع الفلسطينيون (اقرأ قيادتهم الساذجة أو الغبية) على وثيقة تسمح لاسرائيل بالبقاء في الاراضي المحتلة, بدون أي تكلفة مادية أو بشرية أو مالية أو حتى اخلاقية ليكون أول احتلال في التاريخ.. «مدفوع الكلفة», مقابل موافقة هذا «المُحتل» على اقامة سلطة كرتونية بطقوس شكلية لأشخاص لا يملك أحد غيره (الاحتلال الاسرائيلي) تقرير مصائرهم..
الاكثر اثارة للغضب والشكوك والريبة, هو أن أصحاب أوسلو في رام الله يرفضون, «دفنه» ويديرون عملية تضليل واسعة للشعب الفلسطيني بادعائهم ان «الدولة» قادمة وان الاحتلال زائل، فيما تتكاثر المستوطنات ويزداد التهويد ويتواصل انحدار سلطة اوسلو وسقوط مبررات بقائها, اللهم إلاّ لخدمة مصالح المستفيدين من استمرارها وهم معروفون, بالاسم والتنظيم والتحالفات والارتباطات.
وسواء كانت «الحياة مفاوضات» كما يرى صاحبنا كبير المفاوضين, أم هي كما تعكس وقائع القاهرة وبنغازي وطرابلس (وثمة مدن وعواصم اخرى عربية واسلامية على الطريق)، بأن الحياة.. «افلام»، وكيف يستطيع شريط سينمائي (ايا كانت جودته او ضحالته الفكرية) ان يثير كل هذه الزوابع والعواصف وردود الافعال الغاضبة، رغم انعدام المبررات وتهافت الحجج على سلوك كهذا، فإن المدقق في مشهدنا العربي والاسلامي الراهن لا يسعه الهروب من كثير من الاشارات والرسائل الكثيرة التي (رمت) بها عواصم الغرب الامبريالي منذ عقود طويلة وخصوصا منذ سبعينات القرن الماضي وبعد حرب اكتوبر 73 على وجه الخصوص عندما قال هنري كيسينجر (وقوله معروف ومنشور) ان هذه الحرب هي آخر حرب «عربية - اسرائيلية»، لان الحروب بعد الان ستكون «عربية-عربية»، وفاته ان يشير الى الاسلامية, ربما لان حركات الاسلام السياسي والتكفيري والجهادي لم تكن شوكتها قد قويت... وقتذاك.
الوقائع التاريخية اللاحقة أكدت صحة ما ذهب اليه كيسينجر، وها هو شريط سينمائي (وكانت قبله اشرطة ورسوم كاريكاتورية سابقة)، يثير حراكا وغضبة شعبية غير مسبوقة ضد اميركا, أخطر ما فيه ان مموله (موريس صادق) اميركي قبطي, يرأس هيئة تسمى «الهيئة العليا للدولة القبطية»، ويشار اليه بأنه «زعيم اقباط المهجر»، ما يمنح المسألة بُعداً اكثر خطورة عن الاعمال «الفنية» السابقة ويضع مصر في عين العاصفة وهذا لا يأتي صدفة، ما يستدعي حكمة وبعد نظر «ورؤوساً» باردة، لا تحمّل الشريط السينمائي اكثر مما يحتمل, ولا تأخذ الاقباط بجريرة رجل شرير وخبيث يريد اسقاطنا في مطبات ومآزق قد تقود الى حروب ومآس وانهيارات.
استدراك: ولأن «الشريط» بـ»الشريط» يذكر, فربما يكون من المفيد التذكير بما جاء في شريط زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري رقم 13 لهذا العام في مناسبة غزوتي نيويورك وواشنطن (11/9) عندما قال «ان القاعدة حققت مهمتها الاساسية وهي تحريض الامة الاسلامية».. انتهى الاقتباس.
فهل تستحق هذه المهمة.. كل هذه الدماء والحروب؟ ( الرأي )