معايير مزدوجة ... خطاب مزدوج

تم نشره الأحد 16 أيلول / سبتمبر 2012 01:39 صباحاً
معايير مزدوجة ... خطاب مزدوج
عريب الرنتاوي

انتقدت الولايات المتحدة على أرفع المستويات وبأشد العبارات، “الفيلم المسيء” للرسول الكريم، ونفت أية صلة لمنتجيه بالإدارة..لا من قريب ولا من بعيد...لكنها في المقابل، حرصت أشد الحرص على تأكيد احترامها لحق المواطن الأمريكي في إبداء الرأي وحرية التعبير...وهذا الموقف بشقيه، يسجل لواشنطن لا عليها، على أية حال.

لكننا حين نرى مبادئ حرية الرأي والتعبير، تُحترم في ميادين وتُنتهك في ميادين أخرى...نجد صعوبة في تصديق “الحكاية الأمريكية الرسمية”...ونعاود الحديث تكراراً عن “المعايير المزدوجة” وسياسة “الكيل بمكيالين”...حرية الرأي والتعبير في الولايات المتحدة والغرب عموماً، تتوقف عندما تبدأ “المصلحة الإسرائيلية”...هنا يصبح أي حديث نقدي حيال إسرائيل، عداء للسامية وتحريض على الكراهية، يُخضع صاحبه للمساءلة والمحاسبة.

لا تتيح القوانين الأمريكية ملاحقة أي مواطن لرأي قاله أو لموقف أدلى به...حتى وإن عبث بالتاريخ والأديان، وأساء لمبادئها ورموزها وشكك بالرسل والرسالات السماوية، فحرية الرأي والاعتقاد مُصانة بالدستور...وتفاخر الولايات المتحدة بأنها ستحمي هذا الحق لمواطنيها مهما كانت العواقب وردات الفعل على أعمالهم المشينة...لكن هذه المنظومة القيمية والقانونية، تسقط فوراً، وتتحول إلى نقيضها، إن تجرأ كاتب أو فنان على التشكيك بأي فصل من فصول الرواية الصهيونية الرسمية عن “المحرقة النازية” على سبيل المثال، أو تساءل عن “وعد الله لشعبه المختار” بامتلاك الأرض المقدسة وما عليها.

حرية الرأي والتعبير والاعتقاد مكفولة في الولايات المتحدة، لا شك في ذلك على الإطلاق...لكن ذلك لا يمنع مؤسسات رسمية وأهلية من إسقاط مواقع عن الإنترنت وحجبها عن الفيسبوك وإغلاق مكاتب إعلامية و”إنزال” محطات تلفزيونية عن الأقمار، إن كانت تحمل في ثنايا خطابها ورسالتها الإعلامية ما قد يمس بإسرائيل ويحرض على مقاومة نهجها العدواني التوسعي...هنا يُستحضر “سيف اللاسامية البتار” ويُستخرج كل ما في قاموس “الحرب على الإرهاب” من مفردات وعقوبات ومطاردات.

نحن بخلاف كثيرين من المحتجين على “الفيلم المسىء”، لا نقترح على واشنطن سن قوانين مقيدة للحرية تحت أي حجة أو ذريعة...نحن نطالبها بإنفاذ “قانون الحرية” على الجميع، ومن دون تمييز ولا معايير مزدوجة..لا أكثر ولا أقل.

أما ردود أفعالنا – عرباَ ومسلمين - على حوادث من هذا النوع، فقد اتسمت على الدوام بـ”اللاعقلانية”...هذه المرة بلغت ردات الفعل ذروة غير مسبوقة...خرج “العنف المكبوت” من قمقمه...واستحال التعبير عن الغضب والاستنكار إلى طاقة تخريب تستهدف الممتلكات العامة والخاصة...وتحول الحدث\الفيلم إلى مناسبة ومدخل لـ”تسوية الحسابات” بين اللاعبين في هذه الدولة أو تلك....وبدل أن نعاقب “المُسيئين” للرسول، وجدنا أنفسها تعاقب أنفسنا، ونعمم الفوضى في بلادنا.

الإسلاميون في “أزمة الفيلم المُسيء”، فشلوا في مواجهة أحد أهم “اختبارات السلطة” منذ وصولهم إليها في عدد الدول العربية...لم يكن أداؤهم موفقاً...تصرفوا كما اعتادوا دائماً: كمعارضات وليس كحكومات...خطابهم بدا مزدوجاً، فهو حاول من جهة، امتطاء صهوة الشارع بالدعوة للتظاهر في البلاد وعرضها...لكنه سعى من جهة ثانية، في استرضاء واشنطن وحفظ علاقاته بها وإطالة أمد “شهر العسل” الذي ميز هذه العلاقات في الفترة الأخيرة...والأرجح أن الفشل في مواجهة هذا الاختبار، ستكون له عواقبه لجهة العلاقات بين الغرب وحكومات “الربيع العربي”، أو لجهة موقف الغرب من بعض ملفات المنطقة الأكثر سخونة، وفي صدارتها: الأزمة السورية.

وهكذا...فقد يكتب التاريخ يوماً أن “حاقداً مأفوناً” عمل عملاً رخيصاً وهابطاً، نجح في إحداث استدارات في السياسات والتحالفات في الشرق الأوسط...أشخاص نكرات، لم يطمحوا بأن يؤتى على ذكرهم في صحيفة محلية، دخلوا في قائمة المشاهير و”صناع الأحداث” العالميين...ولـ”الحدث” تتمة.


( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات