جامعة البلقاء وأستاذنا البخيت وأشياء أخرى !

ثمة فرق بين ردِّ و رد !
أحدهما تنحني له احتراماً وتقديراً، وآخر تمر عليه مرور الكرام.
الأول جاءني من استاذنا المؤرخ محمد عدنان البخيت، وهو بالمناسبة رئيس مجلس امناء جامعة البلقاء التطبيقية، والآخر قرأته امس في العزيزة “الدستور” بتوقيع الناطق الإعلامي باسم الجامعة.. واعتقد أنه بإيعاز من الرئاسة.
هذا الثاني لا أريد أن أعلق عليه، فقط اقول لمن كتبه: سامحك الله، أمّا ما سمعته من أستاذنا البخيت فلا يحتاج لمجرد ردّ سريع، إنما الى “وقفة” طويلة لا تتعلق فقط بالجامعة وشؤونها وشجونها، بل بالبلد العزيز الذي اعتقد ان كلام السياسي فيه قد أخذ نصيبه وزيادة، وحان الوقت لكي نسمع كلام “المؤرخ” الذي لا يكتفي برؤية السطح إنما يتغلغل داخله كما يفعل “الحفّار” او النطاسي البارع حين يضع مشرطه في الجسد المتعب.
لم أستأذن د. البخيت بنشر ما أفضى به، لا حول الجامعة ولا حول “مخاضات” الوضع واتجاهات بوصلتنا، لكنني سأكتب على الهامش، ذلك ان مجتمعنا - بكل مؤسساته وقطاعاته - تعرض خلال السنوات الأخيرة لحالة من “الاهتزاز” والتشويه، لكيلا لا أقول الهدم والتدمير، لدرجة ان “صورة” واحدة تراها في مؤسسة او في قطاع - أياً كان اسمه - تكاد تكون نسخة مطابقة تمتد الى بلدنا وتختزل - ايضاً - صورته.
يصعب علينا ان نتهم، فالحال من بعضه، والاختلاف هنا بين حالة وأخرى أو بين فرد وآخر “سواء أكان مسؤولا او غير مسؤول” هو اختلاف في الدرجة لا في النوع، وبالتالي اشعر أننا كلنا مسؤولون عما انتهينا اليه كما اننا “ضحايا” لما نراه، فهذا ما فعلناه بأنفسنا، ويجب علينا ان نتحمله.
لا أريد أن أسأل: ما الذي اصاب قطاع التعليم العالي في بلادنا، ولا لماذا تراجعت جامعاتنا عن مكانتها التي كانت فيها قبل ثلاثين سنة، فما حدث - للأسف - كان جزءا من “عموم البلوى” التي اصابت “بنية” المواطن والمجتمع معا، مثلما كانت افرازا لحالة “التقويم” السياسي الذي افتقدنا فيه الرؤية والنموذج معاً.
حينما كتبت عن جامعة البلقاء لم أكن اقصد الإساءة لأحد، لكن ما صدمني هو عدم قدرة “الموظفين” على تحمل النقد او الاستفادة منه، وحده د. البخيت قدّم “النموذج” الذي يمكن للمسؤول ان يقدمه في التعاطي مع الشأن العام من موقع “الخدمة” لا من موقع “اصدار الأوامر” فقط، ولهذا قلت إننا اليوم بحاجة لطبقة جديدة من المسؤولين، وبحاجة للمفكر والمؤرخ لأن هؤلاء يستطيعون ان يقدموا لنا “الرؤية” ويتعاملوا مع المشهد بعين “الخبير” لا بعين الموظف، وبعين من يفهم المشكلة ويدرك اخطارها ويريد ان يبحث عن حل لها، لا بعين من لا تشغله سوى مصالحه، ولا يفكر إلاّ في دائرة “المغانم” التي لم يبق منها - للأسف - ما يستدعي الصراع عليه او “التناوش” من اجله.
ما لفت انتباهي أن د. البخيت الذي تعرض للاقصاء، لم يرد الصاع صاعين كما يفعل البعض، بل استند الى “مخزونه العلمي” وارتباطه الوثيق بوطنه، فنهض من غرفة صغيرة خصصت في الجامعة الأردنية حوّلها الى “معمل” للتدقيق في المخطوطات واعادة كتاب تاريخنا وبناء “قاعدة” للمعلومات والبحث الى “مبنى” مدهش، استقطب لبنائه نخبة من المتطوعين، وغدا اليوم “جامعة” بحد ذاتها، وحين اسندت اليه مهمة “امانة” الجامعة نهض ايضا بالمسؤولية وفق رؤية تتجاوز ما أنفناه في “الإدارات” التي تسيطر على كل شيء وتتحكم في كل قرار، فعهد الى رئاسة الجامعة ان تمارس صلاحياتها بالكامل دون تدخل، وظل يساندها من خلال مجلس الأمناء بكل قوّة..
أريد أن أقول إن في بلدنا شخصيات علمية وسياسية موثوق بها، ويمكن ان نستعين بها دائماً لكي نخرج من “النفق”، لكن من سوء حظنا اننا ابتلينا بنفر من “الموظفين” الذين لا يرون البلد إلاّ من ثقب مصالحهم وافكارهم الضيقة.