واشنطن .. من الانحياز لإسرائيل إلى الانحياز لـ « يمينها »

يصعب التفريق بين المرشح الجمهوري ميت رومني ووزير خارجية إسرائيل أفيغدورو ليبرمان...كلاهما ينتمي لمدرسة “إيديولوجية يمنية” معادية للفلسطينيين...الأول قال قبل أيام إن الفلسطينيين لا يرغبون بالسلام مع إسرائيل، مردداً بذلك ما كان “الثاني” قد صرح به تكراراً، محملاً الرئيس عباس وزر فشل المفاوضات وانهيار عملية السلام، واصفاً الرجل بأقذع الأوصاف، داعياً لإزاحته عن “المسرح السياسي”.
واحدة من الأركان الدعائية لحملة رومني الانتخابية، تنهض على فرضية أن الرئيس أوباما لم يكن صديقاً جيداً لإسرائيل، وأنه يؤثر التحالف مع “الإسلاميين” على الحلف مع “الديمقراطية الوحيدة في صحراء الشرق الأوسط القاحلة”، متعهداً بتعويض ذلك إن قُدرَ له أن “يستعيد” البيت الأبيض.
طبعاً...ادعادات رومني واتهاماته، ما كان لها أن تمر مرور الكرام على حملة أوباما الانتخابية...الرجل قدم في مؤتمر الحزب في شارلوت “جردة حساب” تبرهن بالملموس على أنه أكثر رؤساء إسرائيل إخلاصاً للدولة العبرية ووفاءً لمصالحها الإستراتيجية، وحساسيةً تجاه “نظريتها الأمنية”...وقد بدا الأمر كما لو أن عضو الكونغرس الذي قدم هذه المرافعة في مؤتمر الحزب، كان منتخباً عن “ولاية إسرائيل”، وليس عن ولاية أمريكية أخرى.
ليس هذا فحسب، بل أن تعديلات “ربع الساعة الأخير” على برنامج الحزب الديمقراطي، والطريقة التي تمت فيها، كانت امتحاناً مهيناً للحزب “الحاكم” في الولايات المتحدة...فما أن تنبه الجمهوريون إلى خلو برنامج الديمقراطيين من النص على القدس كعاصمة لإسرائيل، حتى سارع أوباما شخصياً إلى اقتراح إضافة هذه العبارة، والأنكى من كل ذلك وأمر، الطريقة التي تمت بها الإضافة، حيث جرى التصويت عليها ثلاث مرات، برفع غابة من الأيدي والهتاف والتصفيق، ومن دون اضطرار لعد الأصوات المؤيدة والمعارضة، وبصورة تذكر بالتصويت في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني، وأحيانا في جلسات مجلس النواب الأردني.
يبدو أن إسرائيل وفلسطين والقضية الفلسطينية، ستظل مدرجة في “بازار” الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حتى بعد انتهاء الانتخابات، وليس قبل ذلك...فهي مادة للشد والجذب وتسجيل المواقف وإطلاق الاتهامات...وأياً كانت نتائج هذه المعركة الانتخابية، فإن إسرائيل، وإسرائيل وحدها، ستتصدر قائمة الفائزين فيها، فيما القضية الفلسطينية ستستقر في أعلى لائحة الخاسرين.
بعد كل هذا الذي نشهده على مسرح السياسة الأمريكية الداخلية، من الحمق الاستمرار في الرهان على دور أمريكي فاعل في حل القضية الفلسطينية ودفع عملية السلام، دع عنك دور الوسيط النزيه والمحايد..هكذا كان الحال من قبل، وهكذا هو الآن، وهكذا سيبقى في المدى المنظور...وإذا كان هناك من لا يزال يعول على دور لواشنطن، قبل الانتخابات أو بعدها، في الولاية الثانية لأوباما أو الأولى لرومني، فمن الأفضل له أن يتخلى عن رهانه هذا، أو أن يخلي موقعه...فالولايات المتحدة لن تكون حتى إشعار آخر، في موقع الراغب، أو القادر إن رغب، على لي الذراع الإسرائيلية...الولايات المتحدة تنتقل من دعم إسرائيل إلى تبني خطاب اليمين واليمين المتطرف فيها...أليس هذا ما فعله رومني طواعية بتصريحات “الليبرمانية” الأخيرة....أليس هذا ما يفعله أوباما طائعاً أو مكرهاً؟
ماذا يعني ما نقول أردنياً وفلسطينياً؟...معنى ذلك باختصار أن التعويل على خيار التفاوض والدولة الآتية كثمرة لعملية السلام قد سقط، وسقطت معه الدولة بما هي تجسيد لحقوق الفلسطينيين المشروعة، أو كخط دفاع أول عن المصالح العليا للأردن والأردنيين....لقد قلنا ذلك من قبل، ونعود لتكراره الآن ومن بعد، على أمل أن تستل الدبلوماسية الأردنية من أدراجها “الخطة بـ” التي قيل أنها جاهزة لملاقاة مختلف الاحتمالات...وعلى أمل أن يُخرج الرئيس عباس من جيبه، “قرارته التي لا تخطر ببال أحد”...ويفعل “بدائله” التي طالما لوح بها، من دون أن ترتعد لأحد أية فرائص...فهل نفعل؟