الاعتصامات ليست مقدسة

يعتقد بعض النشطاء في الحياة العامة أن واجبهم يفرض عليهم دعم كل اعتصام على افتراض أن أصحابه مظلومون ويطالبون بحقوقهم المهضومة.
ويظن بعض المعتصمين أن على الحكومة أن تستجيب لكل اعتصام وتلبي كل المطالب المرفوعة، بل إن بعض المعتصمين أعربوا عن دهشتهم لأن المسؤولين يتجاهلون الاعتصام بالرغم من مرور عدة أيام على نصب خيمة الاعتصام!.
الحقيقة أن مطالب المعتصمين ليست كلها محقة، فبعضها يمثل شراهة أو ابتزازاً واستغلالاً للظروف الصعبة، وجواب الحكومة يمكن أن يكون بالرفض، وبخلاف ذلك فإن مجرد الاعتصام يعني أن يحصل المعتصمون دائماً على كل ما يطالبون به بصرف النظر عما إذا كانت مطالبهم عادلة أو تعسفية.
في الصورة العامة قد يتعاطف الرأي العام مع معتصمين موظفين أو عمال، لأنه يريد أن ترتفع دخولهم ويتحسن مستوى معيشتهم، ولكن الحال لا يقف عند المعتصمين، فهناك عمال وموظفون آخرون لم يعتصموا مع أن دخولهم اقل، ومستوى معيشتهم أسوأ.
رفع الرواتب والعلاوات وزيادة الامتيازات والضمانات التي يطالب بها المعتصمون قد تكون حقاً، ليس لهم وحدهم بل لجميع العاملين في القطاعين العام والخاص، ولكن هناك جانباً آخر لا يجوز تجاهله وهو ظروف وإمكانيات الجانب المطلوب منه تلبية الطلبات وتحمل كلفتها المالية.
هذا الجانب هو الحكومة أو بعض الشركات، أما الحكومة فهي تعاني من عجز فادح في الموازنة العامة، وارتفاع خطير في المديونية، وتأخر في وصول المنح الخارجية، فالوقت ليس مناسباً لتقديم المزيد من الطلبات وزيادة الطين بلة.
وأما الشركات التي اعتصم موظفوها للحصول على المزيد من الامتيازات، وهي بالذات الشركات الأكثر سخاء مع موظفيها، وبعضها يدفع خمسة عشر راتباً في السنة فيعتصم موظفوها مطالبين بالراتب السادس عشر، كما يطالب بعضهم بتعويض نهاية الخدمة إلى جانب تقاعد الضمان الاجتماعي وهي طموحات مشروعة لو كان الأردن بلداً بترولياً.
الاعتصامات ليست مقدسة، والمطالب المقدمة ليست برسم التطبيق الفوري، فهناك عوامل أخرى تسمح أو تحول دون الاستجابة. وعلى المعتصمين أن يفهموا أن عدم التجاوب معهم ليس من قبيل الإهمال او عدم الاحترام، بل هو قرار برفض المطالب لأن الإمكانيات المتوفرة لا تسمح بها.
( الرأي )