رفع الدعم !
يبشرنا وزير ألصناعه والتجارة بالأمس أن الحكومة لن تتوانى عن رفع أسعار المحروقات والقمح حال ارتفاعها عالميا ، في إشارة تمهيدية لرغبة الحكومة رفع تلك الأسعار التي كانت كما يسميها الناس بالخط الأحمر وخاصة تلك المتعلقة منها بالقمح ، والتي وإن حصلت ستقلب السحر على الساحر ، ليس لجهة رغبة الناس بالمواجهة ، ولكن لجهة ما يعلمه الناس أن الحكومات توقع اتفاقية شراء القمح لعامين او ثلاثة بالسعر الحالي ولايمكن أن تضطر الدولة المصدرة لرفع السعر تبعا للاتفاقية ، ومن ناحية أخرى ، فأن ما كشفته عدة مصادر عن أرباح حكومية تقدر ب 55- 60 % من كلفة المحروقات لايسمح لها أخلاقيا أن تقوم برفع سعر تلك المواد وخاصة أن السعودية والعراق تقدم لنا سعرا تفضيليا يتراوح ما بين 20 – 30 % من قيمته السوقية وتلك مبالغ كبيرة تغطي أي عجز ولا حاجة للجوء كالعادة إلى جيوب الناس لتغطية العجز ،في وقت يقرر مجلس الوزراء زيادات رواتب بعض القطاعات 100 % على الراتب الإجمالي لبعض المؤسسات النخبوية ' الارستقراطية ' ، مما أثار حفيظة بقية المؤسسات التي يطالب موظفوها بالمساواة ، فما المبرر لدى الوزير لتصريحه هذا في ظل أزمة اجتماعية واقتصادية وهيجان كان سيدفع الأمور باتجاه الفوضى عندما قررت الحكومة رفع سعر المحروقات وجرى تجميد القرار تحسبا لتلك الظروف ، ففشلت سياسة مواجهة الأزمة بأزمة أخرى ولا داع لممارستها ! ولذلك ، فأن كان المواطن يدفع 8 دنانير أرباحا للدولة في كل تنكة بنزين أو ديزل أو خلافه ، فمن حقه أن يحصل على رغيف خبز مقابل دعم حكومي يبلغ 20 قرشا تنوي الحكومة رفعه .
نذكر جميعا أن العراق كان يقدم للأردن منحة بترولية بقيمة 300 مليون دينار سنويا ، ويمنحنا فوق ذلك سعرا تفضيليا عن سعر السوق العالمي ب 30 دولارا ، وكانت الحكومات تمارس نفس السياسة والمنهج في رفع الأسعار حين يرتفع عالميا بالرغم مما نحظى به من منح ودعم وسعر تفضيلي ، ولازال العرض العراقي قائما لتلك المنح والأسعار التفضيلية التي ترفضه الحكومة خشية أن تغضب دول الخليج من تقارب أردني – عراقي ! وبنفس الوقت لم تمنحنا تلك الدول ربع ما منحه نظام العراق سابقا طوال ثلاثين عاما مضت ! ولازالت إيران تقدم لنا نفس العروض التي تكفينا ' جميلة ' أبناء الخليج الذين باتوا يربطون تلك المساعدات بمواقف سياسية قد يدفع الأردن ثمنها غاليا ،وحين يقع الأردن سنعيش نفس الحالة العراقية ما بعد حرب إيران – العراق ، وتتخلى عنا تلك الدول تاركة الشعب يعاني تبعات التدخل والسياسة المعادية لدمشق ! وباعتقادي أن تراجع الأردن عن الإصلاحات السياسية والاجتماعية له علاقة بتدخل وتأثير بعض دول الخليج خشية من تبدل أوراق أللعبه في الأردن وانحياز الشعب لحكومات وطنية تنسف كل السياسات السابقة ، فعادت البلاد إلى الوراء والى حقبة ما قبل العصر الديموقراطي ، فصدرت قوانين تكميم الأفواه ومنع الحريات واعتقال المعارضة والنشطاء وإعداد قوانين انتخابية متخلفة رفضها الناس وأجمعت على رفضها قوى وشخصيات سياسية إرضاءا ورضوخا لتلك الضغوطات التي باتت تحكم المعادلة السياسية والاجتماعية في الأردن، فتخيلوا تلك الحكومات التي يبشروا بها في ظل تشكيلة المجلس القادم ومقاطعة القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية !!
حسابات وتصريحات واسعة كشفت حجم ما تحققه الموازنة من دخل ، فإضراب العاملين في دائرة الأراضي كلف الدولة في خمسة أيام20 - 25 مليون ، أي بواقع 3- 5 مليون كل يوم حسب تصريح المدير العام ، بمعنى أن الدخل العام للأراضي يتجاوز المليار دينار كل عام تقريبا ، ناهيك عن مليار ونصف من الضريبة العامه وضريبة المبيعات وكذلك ما تحصلة الجمارك من رسوم بلغت في 8 شهور أكثر من 800 مليون ، إلى جانب مليار وربع المليار ترخيص السيارات والمركبات ، ودخل الطاقة والمحروقات والكهرباء التي يبلغ سنويا أكثر من ملياري دينار ،ناهيك عن دخل المياه والرسوم وغيرها ، وهناك مداخيل السياحة والتحويلات والدعم الخارجي والمعونات وبيع المؤسسات وحصص الدولة في العديد من المؤسسات المنتجة للثروات وعوائد مشاركة قواتنا في حفظ السلام ، فأين تنفق تلك الأموال ! وكيف تنهب !! ولماذا نضطر لرفع الدعم ( هذا إن كان هناك دعما أصلا ) ونضع البلاد في أزمات تعصف بها لم تهدأ منذ عامين ،والتي يجري مواجهتها بأزمات جديدة تشغل البلاد طويلا ، أزمة في مواجهة أزمة !
لم يعد المواطن يثق بكل القرارات والسياسات المتعلقة بتخفيض الدعم على المواد ، فما تتخذه الحكومات من قرارات زيادة الرواتب الخيالية ونفقات عالية في مجالات مختلفة لاينم عن وجود أزمة مالية ، بل ' بعثرة ' موارد الدولة ، فبعض الرواتب التي يتقاضاها مدراء عاميون أو رؤساء مجالس إدارات مؤسسات عامه تتجاوز رواتب الرؤساء في الكثير من الدول الغربية الغنية ناهيك عن الامتيازات والمنح وغيرها ،وباعتقادي أن الزيادات الأخيرة التي طرأت على بعض رواتب المؤسسات ' الارستقراطية 'قد أثارت جنون العديد العاملين في مؤسسات الدولة وخاصة منها التعليم والصحة والاستياء الشديد الذي بلغه أفراد القوات المسلحة وقوات الدرك التي لم ترتاح لساعة منذ عامين تقريبا حين تعلم أن من يجلس على المكتب في أجواء التكييف والراحة يبلغ دخله أضعاف من يقارعون الناس ويحافظون على الأمن في أجواء الشمس الحارقة والبرد القارص ، فلماذا تمارس الحكومات تلك السياسات وما الهدف منها !!