إعجاب كلُّ ذي رأي برأيه

من دلائل صدق نبوة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يصف لنا المستقبل قبل وقوعه، ويتحدث لنا عن صفات الناس قبل أن يأتوا. وفي هذا دلائل على صدق نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتنبيه وتحذير من المستقبل واطلاع لمن آمن به على الحوادث المقبلة سيكون على حذر واستعداد.
ومما قاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وصف زماننا : ( إذا رأيت هدىً مٌتّبعاً، و شحا مطاعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة).
أما الهوى المتبع: فانعدام ضوابط البشرية، فلا الحلال ولا الحرام، ولا العيب، ولا العشيرة ، ولا المستقبل غدت ضوابط التعامل ، وإنما الشهرة، والمصلحة، والمال، والجاه هي الحوافز والدوافع والمحركات.
الهوى المتبع: ميول الإنسان بغض النظر عن عواقبه وما يمليه عليه دينه ومعتقده وخُلقه.
الهوى المتبع : هو الفوضى العارمة التي تأتي تحت مسميّات عدّة حريّة الرأي، حريّة شخصية، حريّة التعبير وكلها ما لم يكن لها ضوابط تمنع صاحبها من الاعتداء على الآخرين.
وأما الشح المطاع: فهو البخل الذي يكون بمزاج صاحبه فتراه يدخل مطعماً فاخراً فيدفع فيه مئات الدنانير ليملأ بطنه، ويخرج منه واضعاً يده عليه شاعراً بالتخمة والثقل من دون أن تطرف له عين فيما دفع وانفق ومن دون أن يعترض على الفاتورة ، بل قد يرى أن ما قام به جزء من حق نفسه على نفسه!! أليس هو الذي تعب وسهر ! أليس هو الذي اجتهد في تحصيل المال وجمعه!!
وإذا ما عَرض له سائل محتاج، أو طالب علم قد أقله الدين أو أرملة قسى الزمن عليها. أو يتيمة خطت الدموع وجنتيها، أدار وجهه وقال : ما أكثر الشحادين!! وإذا ما عُرض عليه مشروع خير يشغل عاطلاً عن العمل أو يصون أسرة عفيفة عن ذلك السؤال اكفهر وجهه وقال: وهل عندي شيء ادفعه!!
انه الشح والبخل الذي يكون بالإرادة لا بالطبع ، شح في مكان وجود وعطاء في آخر، شح تحركه الشهوة ويحركه البطن ومش على بطن غيره.
وأما إعجاب كل ذي رأي برأيه فهو الطاقة الكبرى عندما يرى إنسان أن رأيه هو الصواب وأن عقله ونكره هو إنقاذ للبلد والوطن والمواطن وللمستقبل والحاضر!! وأن الناس لو اتبعوه أو سمعوا كلامه لكانوا من الناجين!!
إعجاب كل ذي رأي رأيه ليس له مستفيد سوى تجربته الشخصية ورؤيته الفردية وإملاءات خياله، فيرى أن الناس لو ساءت في الطريق الفلاني لكانت سعادتهم فيه ولو تركت العلاني لكانت النجاة فيه!!
إعجاب كل ذي رأي برأيه حتى يكف السمع والبصر عمّا حوله ولا يرى إلا نفسه وقد تكون امتع لحظاته أن مرآة فيخاطب فيها نفسه ليجد توافقاً بل تطابقاً في الآراء والأفكار والابتسامات والانفعالات. ولو رفع المرآة ونظر وراءها لرأى الغضب الأسود آت والحنق ممن يسمعونه ولا يراهم
أمة اليوم : إعجاب كل ذي رأي برأيه.
( الدستور )