تغيير مسمى اتفاقيات أوسلو لا يلغيها
(إن تزامن بحث إعادة النظر في اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي يثير شبهة التوافق بين الجانبين على إخراج "أوسلو 2 " يغير مسمى اتفاق أوسلو الأول من دون أي تغيير في جوهره ومرجعياته)
بقلم نقولا ناصر*
تمخض الاجتماع القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي ضم أعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح والأمناء العامين للفصائل الأعضاء في المنظمة وشخصيات وطنية يومي السبت والأحد الماضيين عن تفجير قنبلة صوتية توحي بأن قيادة المنظمة تسجيب للمطالبة الشعبية والوطنية بإلغاء اتفاقيات أوسلو، لكن البدائل التي تداولها المجتمعون، بقدر ما تسرب منها إلى وسائل الإعلام، تشير فقط إلى توجه نحو تغيير مسمى أوسلو وإطارها الخارجي من دون أي تغيير يلغيها في جوهرها هي ومرجعياتها.
وبالرغم من نفي مستشاره نمر حماد يوم الثلاثاء الماضي أن يكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثار "إمكانية إلغاء اتفاق أوسلو " في اجتماعات قيادة المنظمة يومي السبت والأحد الماضيين، فإن العديد من قيادات المنظمة وحركة فتح ممن شاركوا في الاجتماعات أكدوا أن عباس قد اثار هذه الإمكانية فعلا، ومنهم أمين سر تنفيذية المنظمة ياسر عبد ربه، الذي قال إن "حل الدولتين في حكم الملغى " الآن، وكبير مفاوضيها د. صائب عريقات.
والمفارقة أن وسائل إعلام دولة الاحتلال الإسرائيلي كشفت خلال الأسبوع الماضي أن وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان طلب من خبراء وزارته الشروع في دراسة شاملة لاتفاقات أوسلو لأنه "يجب إعادة تقييم الاتفاق "، في تزامن مريب مع إثارة الموضوع في منظمة التحرير، وهو تزامن يثير شبهة التوافق بين الجانبين على إخراج "أوسلو 2 " يغير مسمى اتفاق أوسلو الأول وشكل إطاره الخارجي من دون أي تغيير في جوهره ومرجعياته.
وقد طغت أصداء تفجير هذه القنبلة الصوتية على المشهد الفلسطيني العام وشغلت الإعلام العربي والدولي بها وأطلقت ساترا دخانيا غطى على تهرب قيادة المنظمة من مواجهة استحقاقات انهيار اتفاقيات أوسلو، وانقلاب دولة الاحتلال الإسرائيلي عليها من جانب واحد، وضرورة تعزيز الوحدة الوطنية كأمضى سلاح لاحتواء مضاعفات انهيارها، وغطى كذلك على الاستحقاق الوطني الملح للبحث عن استراتيجية بديلة لها على قاعدة التوافق والشراكة الوطنية.
نص "إعلان المبادئ "، المعروف باسم اتفاق أوسلو نسبة إلى العاصمة النرويجية التي احتضنت المفاوضات السرية التي قادت إليه، الموقع بواشنطن في الثالث عشر من مثل هذا الشهر عام 1993 على "مبادئ " الاعتراف المتبادل بين المنظمة وبين دولة الاحتلال، ونبذ العنف أي نبذ المقاومة المسلحة، واعتماد التفاوض الثنائي وسيلة وحيدة لحل صراع وجود تحول إلى نزاع على حدود، وكان اتفاقا انتقاليا مؤقتا تحول في نهاية المطاف إلى وضع قائم إلى أجل غير مسمى، وتحولت المفاوضات المنبثقة عنه إلى تفاوض على تقاسم أرض "متنازع عليها " في الضفة الغربية بين مواطنيها من عرب فلسطين وبين مستوطنيها اليهود، وقد أضفت جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ومجلس أمنها واللجنة الرباعية الدولية الراعية ل "عملية السلام " شرعياتها على الوضع الراهن بتضمين هذه "المبادئ " في قراراتها ومواثيقها.
وهذا هو على وجه التحديد الوضع الراهن المأزوم الذي يدفع قيادة المنظمة إلى البحث عن مخرج من مأزقه في إطار ذات الاستراتيجية التي قادت إليه، متجاهلة أنها أيضا انتهكت اتفاق أوسلو الأول عندما ارتكبت خطأها الفادح في الانجرار إلى قمة كامب ديفيد الثلاثية مع دولة الاحتلال وراعيها الأميركي عام ألفين للتفاوض على "الوضع النهائي " للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 قبل تنفيذ دولة الاحتلال للمرحلة الثالثة من اتفاق أوسلو بالانسحاب من المنطقة "ج ".
لقد منحت المعارضة الفلسطينية لاتفاقيات أوسلو قيادة المنظمة مهلة طالت أكثر من اللازم لاختبار رهانها على وعود الولايات المتحدة لها. ولم تترك الإدارات الأميركية المتعاقبة مجالا لأي شك في أنها ليست في صدد الوفاء بوعودها. والمرشحان للرئاسة الأميركية بعد انتخابات شهر تشرين الثاني / نوفمبر المقبل، باراك أوباما وويلارد ميت رومني، بددا أية أوهام ربما لا تزال تراود هذه القيادة لاستمرار رهانها على الإدارة الجديدة بعد الانتخابات، فالمعادلة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة التي تتحكم بها جماعات الضغط الصهيونية واليهودية لم تتغير تغيرا يمكنه أن يكون سببا كي تتوقع المنظمة أن ينقلب اوباما على تراجعه عن وعوده لها في ولايته الأولى، بينما كشف منافسه المرشح الجمهوري رومني عن قناعته بأن القضية الفلسطينية "سوف تظل مشكلة من دون حل ... يمكن العيش معها نوعا ما "، ليقارنها ب "ألأزمة المفتوحة " بين الصين وبين تايوان، وكل ما "يأمل " فيه بشأنها هو "درجة ما من الاستقرار " بانتظار أن "يحدث شيء ما في نهاية المطاف فيحلها " ليخلص إلى أن "الطريق إلى السلام لا يمكن التفكير في إنجازه " ثم ليشكك في "التزام الفلسطينيين بالسلام "، ليكون بذلك وكيلا أميركيا لترويج مقولات رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان.
إن اتفاقيات أوسلو لم تنه الاحتلال الإسرائيلي، بل تحولت إلى مظلة قانونية تضفي شرعية فلسطينية على تحويل الاحتلال العسكري إلى احتلال استيطاني، وتحويل وضع كان المفترض أن يكون انتقاليا ومؤقتا إلى وضع دائم. وقد حان الوقت لإلغائها، لكن قيادة المنظمة تبدو مصرة على تغيير مسماها وشكل إطارها الخارجي فحسب من دون أي تغيير يلغيها في جوهرها هي ومرجعياتها.
فقيادة المنظمة، على سبيل المثال، لم تطلب إلغاء "بروتوكول باريس " الاقتصادي، بل اكتفت قبل حوالي اسبوعين بطلب رسمي لإعادة فتح التفاوض عليه مع حكومة الاحتلال.
ولأنه "ليس المطلوب انهيار السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وترك الفراغ أمام الاحتلال " ليملأه، ولأن قيادة المنظمة ليست "بحاجة إلى قفزات في الهواء وطرح خيارات لا نعرف نتائجها وعواقبها "، كما قال أمين سر تنفيذية المنظمة عبد ربه، فإن "موضوع البحث الآن هو السلطة الفلسطينية ككل وليس البحث عن بدائل تحل محل أوسلو " كما قال عضو مركزية حركة فتح د. نبيل شعث، ولذلك فإن البديل الذي يأمل فيه عضو المركزية الآخر عزام الأحمد هو "قبول فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة ... وهذا يعني عمليا انتهاء أوسلو "، ليستمر التفاوض وفق مبادئ ومرجعيات أوسلو لكن هذه المرة بين دولة الاحتلال وبين دولة فلسطين وليس بينها وبين منظمة التحرير، في تغيير واضح للشكل الخارجي لإطار اتفاقيات اوسلو، بانتظار مسمى جديد لها أيضا، من دون أي تغيير في جوهرها ومرجعياتها، ولذلك أيضا "تأجل " اتخاذ قرار بشأن اتفاقيات أوسلو إلى ما بعد عودة الرئيس عباس من الجمعية العامة للأمم المتحدة كما قال عضو التنفيذية واصل ابو يوسف. وهذه التفسيرات بالتأكيد لا تعني أبدا أي إلغاء لأوسلو.
في مقال له نشرته "الأهرام ويكلي " في الثالث عشر من هذا الشهر كتب الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية د. مصطفى البرغوثي أن اتفاقيات أوسو وملحقاتها "وصلت نهاية طريقها المسدود الحتمي "، و "انهارت بصورة مماثلة نظرية " بناء مؤسسات تقود إلى إقامة دولة مستقلة، وكانت "المفاوضات التي حملت اسم عملية السلام " والرهان على دور ايجابي فيها للولايات المتحدة "مجرد أوهام ... تبدد أي أيمان متبق فيها " لأن "تاريخ صلاحيتها للبيع قد انتهى منذ مدة طويلة ".
واقتبس البرغوثي من دوف فايسغلاس، المستشار السابق لرئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق آرييل شارون قوله إن "اتفاقيات أوسلو كانت أفضل ضربة على الاطلاق وجهتها إسرائيل العبقرية لأنها أطالت أمد الاحتلال وخفضت تكاليفه إلى الحد الأدنى في ذات الوقت.، وهي تكاليف انتقلت إلى كواهل الشعب الفلسطيني والدول المانحة. لقد جعلت الاتفاقيات الاحتلال مربحا "، ليتساءل البرغوثي: "أليست هذه وصفة للانفجار " الفلسطيني ؟
وهذه وغيرها مؤشرات لا تدل بالتأكيد على أن بحث إلغاء اتفاق أوسلو "كان جادا 100 في المائة وليس من باب التهديد والضغوط " كما قال عضو تنفيذية المنظمة حنا عميرة.