المملكة دولة مستقرة ام حائرة؟!
لايختلف اردنيان ان المملكة وصلت الى نقطة حرجة إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً ودبلوماسياً.فهي تعاني من مشكلات مزمنة مستعصية،ما فاقم الاوضاع سوءاً،ارتفاع البطالة وإنخفاض الاجور وتعدد الضرائب،ومتتاليية ارتفاع السلع الغذائية،ورفع الدعم عن السلع الاساسية، وتزايد ضغوط صندوق النقد، وشروط البنك الدولي.وفوق هذه البلاوي الكارثية، قامت الحكومات ببيع المؤسسات الوطنية، ثم اعقبتها ببيع اراضي الدولة وميناء العقبة، الميناء الاردني الوحيد.هذه السلسلة المتوالية من السياسات،بدلا ان تعمل على إنقاص الدين العام، وتخفيف عجوزات الموازنة ادت الى زيادة المديونية،ولّد ت امراضاً اجتماعية خطيرة،وتراجعاً في التنمية،وغضباً شعبياً، وحراكاً في المحافظات .
*** مازاد الواقع مرارة على مرارةً، وبؤساً على بؤسٍ،ان الظواهر السلبية تجذرت حتى استعصت على الحل،كالفساد والجريمة والواسطة والرشوة وترهل القطاع العام،فالجريمة انتقلت من الفردية الى العصابات،والتعيينات اخذت منحىً اخطر، فتأتي مباشرة من الرئاسة لابنة رئيس وزراء، وشقيق عسكري كبير، ونسيب برلماني مخضرم ضاربة بعرض الحائط بعملية الاصلاح. فمُسخت الوزارات،واصبحت برامجها ذات مهمات محددة ،وتحول الوزراء الى موظفين،وانقلبت الرئاسة الى واجهة مطواعة تدار بالريموت الامني.
*** بيت الشعب "البرلمان " كان من المفروض ان يكون صوت الامة وضميرها،الا ان وظيفته إنحرفت من الاصغاء الى نبض الشارع،ومايدور في وجدان الناس الى خاتم مطاطي للختم على بياض،وافضل وصف ماجاء على لسان نائب مخضرم من داخله: بان النواب باتوا يشعرون بلا جدواهم، وان مهمتهم تقتصر على تمرير التشريعات التي تريدها الحكومة،اما مايريده النواب فيتم تهريب النصاب بالهاتف المحمول،واحتجاجا على هذا الوضع المزري اعلن النائب نفسه امام حشد جماهيري انه لايفكر بالترشح للنيابة مرة اخرى.
*** هذا مايدور بالداخل.بينما الاسوأ هو مايحيط بالمملكة من جهاتها الاربع،من اوضاع بالغة التعقيد،ساهمت الدبلوماسية الاردنية في تفاقمها،فالمملكة تحادد دولة صهيونية غير واضحة الحدود،حيث تباهى جنرال حرب صهيوني بالقول: "ان حدود اسرائيل ترسمها جنازير الدبابات وبساطير الجنود " لكن الاخطر ماقاله اليمين المتطرف الحاكم: بإن المملكة هي الحل الامثل لمشكلاتها الاحتلالية والسكانية الامر الذي يعطي انطباعاً ان معاهدة السلام مجرد رأس حربة للدخول للاردن في وضح النهار.
*** اما جارنا الشقيق الشرقي العراق العروبي، اختلف بعد رحيل القائد الشهيد صدام حسين،وسيطرة جماعة ايران،على مقاليد الحكم،ولم يعد كما كان،فاصبح اليوم عراق نوري المالكي ومقتدى الصدر وجلال الطالباني،وبغياب العروبيين هناك فقدت المملكة النفط المجاني احياناً، والتفضيلي احياناً اخرى،واقفلت الاسواق العراقية امام البضائع الاردنية،كما فقدت الظهير القوي،والعمق الاستراتيجي بحل الجيش العربي العراقي، باوامر الامريكي المتصهين بريمر،ولايختلف الامر كثيرا فيما يخص الجارة الشمالية سوريا،فلم يزل الاردن الرسمي يراوح مكانه في المنطقة الرمادية،ويمارس دوره من خلف حجاب، وتعتمد تصريحات المسؤوليين الاردنيين ارتفاعا وإنخفاضاً حسب سير العمليات العسكرية للجيش السوري والمسلحين.
*** الوضع السريالي الغائم واللامفهوم اكثر،وضعنا مع الخليج، فالمملكة مرفوضة جملة وتفصيلا من حكومات الخليج رغم طبقة العسل الرقيقة،وحكايتنا معهم طويلة،وتفصيلاتها اكبر من مقالة،و اطول من رواية،فلا امل من الخلايجة على الاطلاق،وقد ضاقوا بنا ذرعا من استجداء المساعدات والهبات والمطالبات والمنح العينية و النفطية.اللافت في الدبلوماسية الاردنية العتيدة، انها لم تُطعمنا عنب الشام ولم تجلب لنا ملعقة من نفط الخليج،والسبب ان دبلوماسيتنا من ذوات "الموقف الزئبقي " تعلو وتنخفض حسب الاحوال السياسية السائدة.
*** خلاصة الخلاصة،اننا شعب يعتاش على الوظيفة،ولاتتحرك اسواقنا " الا عند القبضة " ولايُعَيّد الاولاد او يلبسوا جديداً الا اذا قبض الوالد الراتب،ولايتعلموا او يتزوجوا اذا لم يبع ارضاً،لكن المشكلة ان هذه القبضة تأتي من الخارج،وهي احياناً اقرب "للشحدة " المقرونة "بالمنة ".ومع ذلك لم تسلم من النخبة التي تتعرض لها بالقصقصة .
*** نخلص الى نتيجة ان الوطن ليست مشكلته في الصوت الواحد كما يعتقد الاخوان،ولاقانون المالكين والمستأجرين او قانون الضمان مثلما يظن النواب،بل انه يعاني من مشكلات عابرة للحكومات،تحتاج الى مراجعة شاملة ابتداءً من التعديلات الدستورية حتى إزالة البسطات، ومابينهما من مشكلات مزمنة مستعصية،وعلى رأسها تنظيف اسطبلات الدولة من عواجيز النخبة اعداء الاصلاح،مع ضرورة الابقاء على حقوقهم التاريخية كقيادة العطوات والجاهات،وتأويل احلام العانسات،و "الشات " لساعات متأخرة مع المطلقات،والنفخة الكاذبة حتى لايصابوا بكآبة خانقة.
*** عجلات سيارة الدولة مغروزة بالرمل،وهي تدور في مكانها،وتحفر تحتها كلما حاولت الخروج من ازماتها.الحل لايكون الا بحكومة برلمانية،وقانون انتخاب عصري والغاء قانون المطبوعات،وتحفيز الاحزاب،وتشجيع الحياة السياسية ابتدءً من المدرسة ومروراً بالجامعة،واطلاق حرية التعبير،ورفع اليد عن الجامعات ومنحها الاستقلال المطلق،وفض الشراكة مع الصحف اليومية،على شرط ان يتزامن كل ماسلف مع استرداد الاموال المنهوبة،واعادة المؤسسات التي تم خصخصتها ،ووضع اليد على الاراضي المسروقة من كبار الموظفين،وزج الفاسدين الكبارمن ذوي الوزن الثقيل في اقفاص المحاكمة،وعدم الاكتفاء بالذهبي وشاهين وهم ليسوا اكثر من "كتاكتيت " صغيرة قياسا بغيرهم،وتطبيق قانون من اين لك هذا ،وبسط العدالة الاجتماعية على الجميع،انطلاقا من ان الوطن للجميع والجميع في خدمة الوطن،وذلك بإشراك المواطن الاردني في صنع القرار،ليشعر انه مواطن شريك في ادارة وطنه،و شريك اصيل في جني ثمار التنمية وليس فردا في قطيع،دوره لايتعدى الفرجة،ومهمته الوطنية الهتاف و التصفيق.
*** لذلك اصبح واجب كل واحد منا ان يسأل نفسه:هل المملكة دولة مستقرة ثابتة البنيان عميقة الجذور، قرارها بيدها،ام انها دولة حائرة، مرهونة القرار لغيرها.فاذا اقتنع بان قرارها مرهون للبنك الدولي،واموالها منهوبة واراضيها مسروقة،عليه ان ينخرط في معركة التغيير السلمية،و يزاحم غيره للوقوف على راس الطابور الوطني من اجل اردن جديد،لان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ...!