استقطاب الأدوار المعكوسة في تركيا
ظهرت في الآونة الأخيرة بوادر استقطاب تركي كبيرة حيال ما يجري في سوريا، وهذا بطبيعة الحال يعيدنا إلى ما يقرب عقداً من الزمن تحديداً في حرب العراق، عندما قام حزب العدالة والتنمية-الفائز في الإنتخابات آنذاك- بدعم واشنطن في حرب العراق في حين كانت المفارقة الكبرى أن الجيش التركي والعلمانيين عارضوا تلك الحرب. وقد اتضح لاحقاً أن حزب العدالة والتنمية كان يريد استرضاء الغرب ليحسم المعركة السياسية الداخلية مع الجيش التركي والعلمانيين لصالحه.
هذا ما يمكن أن أسميه "استقطاب الأدوار المعكوسة " (وهو مصطلح جديد بالمناسبة)؛ بمعنى أن حزب الشعب الجمهوري اليساري (حزب مصطفى كمال أتاتورك) والجيش وباقي العلمانيين في تركيا من المفترض أن يدعموا سياسات الغرب كحلفاء فكريين تاريخيين، في حين أن حزب العدالة والتنمية اليميني ذو الميول الإسلامية من المفترض أن يعارض السياسات الغربية.
حالة هذا المشهد الإستقطابي تتكرر اليوم فيما يخص الأزمة السورية؛ ففي الوقت الذي يدعم فيه حزب العدالة والتنمية المخطط الغربي تجاة سوريا، نجد أن المعارضة تعارض بكل عنف السياسة التركية فيما يخص الأزمة السورية.
من المؤكد أن حزب العدالة والتنمية أصبح يواجه خصوماً أقل تأثيراً خصوصاً بعد تهميش دور الجيش في تقرير السياسات، إلا أنه من المؤكد أيضا أن اليساريين والجيش ما زالوا يضغطون بكل قوة تجاة عدم إنجرار تركيا إلى حرب مع سوريا قد تكلفها الكثير.
يبرز على المشهد السياسي التركي أيضاً جماعة صغيرة من داخل حزب العدالة والتنمية تدعم طهران وهي تنطلق بدعوة عدم انجرار أنقرة بحرب ضد إيران وسوريا، حينها ستدفع تركيا الثمن غالياً.
على الجانب الآخر يرى حزب الحركة القومية أو ما يعرف بحزب العمل القومي أن سياسات الحزب الحاكم تجاه سوريا، قد تساهم في انهيار غير مرغوب فيه للنظام في سوريا، حيث أن هذا سيعزز من نفوذ حزب العمال الكردستاني داخل سوريا ويساعده على بناء قواعد جديدة له داخل أراضيها مما يصعب الدور على أنقرة في الحد من طموحات الحزب الداعية لتشكيل دولة أكراد مستقلة.
إن هذه الأدوار السياسية المتعاكسة في تركيا، ستحد بشكل كبير من السياسة الداعمة للحرب على سوريا، وهي مفيدة جداً؛ لأنها حتما ستجنب تركيا ويلات خوض الحرب وتبعاتها.