7» أسباب وراء « الخوف » على الاسلاميين من « السلطة » !

لست مسكوناً «بمخاوف» وصول الاسلاميين الى السلطة لكنني اخشى على اخواننا هؤلاء الذين يتصورون أن التربع على سدة الحكم غاية في ذاتها، أو أنه الطريق لحل مشكلات المجتمعات والامة، وأخشى اكثر حين أرى البعض منهم يستغرقون في المشهد ويتماهون معه ويستعجلون لاقناعنا بأن «بيدهم» مفتاح اللغز، وبانهم «بكبسة» زر يستطيعون ان يعيدونا الى زمن الخلافة الراشدة، والى «عدل» الخطاب وورع ابن عبدالعزيز ودهاء ابناء أمية ونهضة بني العباس.
لدي من الاسباب ما يكفي للشعور بمثل هذه «الخشية»، لكن ارجو الا يفهم من كلامي أنه ليس من حق الاسلاميين خوض غمار التجربة، أو أنهم مثل غيرهم وبالتالي لا ننتظر منهم أي جديد، او أن الشعوب التي اختارتهم بمحض ارادتها فعلت ذلك بدافع «الاحباط» او الجهل، لا معاذ الله، فهم يستحقون أن يجربوا، ولا احد ينكر نضالاتهم ومساهماتهم ونظافة أغلبيتهم، والناس الذين صوتوا لهم انحازوا – بالطبع – الى المشروع الذي يحملونه.. كما انهم ردّوا اليهم التحية باحسن منها.
اذا اضفت كل هذه الاعتبارات التي ذكرتها الى الاسباب التي سأثبتها لاحقاً أشعر بمزيد من «الخشية» على التجربة وأصحابها، وأحرص على تذكير الاسلاميين بانهم امام امتحان صعب، وان اجتيازه بنجاح يستدعي التمتع بمزيد من الحكمة والصبر والصدق.. .. ناهيك عن العمل الدؤوب والتحرر من كل الآفات التي التصقت بتجاربهم في الماضي.
اذا سألتني عن الاسباب التي تجعل من تجربة الاسلاميين في معاركة السياسة والحكم «مغامرة» محفوفة بالمخاطر والتحديات، فان لدي سبعة منها، اولها- ان اخواننا ورثوا تركة ثقيلة من الفساد والاستبداد والاقتصاد «المدمّر» والشعوب المقهورة، ولم يكونوا شركاء في صناعتها، ولكنهم الآن يتحملون مسؤولية الخروج منها، واذا اضفنا لذلك ان مشروعهم الذي يحمل العنوان «الاسلامي» لم يكن حاضراً في مشهد العقود الماضية، وبأنه تعرض للاقصاء والمنع، فان «التأسيس» له اليوم على انقاض مشروع «مضادٍ له» سيحتاج الى ما يشبه المعجزة.
السبب الثاني- هو انه لا يوجد في فكرنا الاسلامي «فقه» دستوري مفصل فيما يتعلق ببناء الدولة وممارسة الحكم، واذا كان بعضه موجوداً في «الادبيات» الاسلامية فانه لم يخضع للتجربة والتمرين منذ مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني (على الاقل) وبالتالي فان انزاله اليوم على الواقع يحتاج الى وقت غير قصير، اما اختباره فيحتاج الى وقت أطول.
السبب الثالث- ان الاسلاميين لم يصنعوا الثورات والتحولات وحدهم، وان كانوا قد أسهموا فيها، لكن النتيجة كانت لصالحهم، وبالتالي فهم – كغيرهم – فوجئوا بالمشهد ولم يستعدوا له وترددوا في التعامل معه.. لكنهم بعد أن حسموا أمرهم بالمشاركة فيه وجدوا ان «اسئلته» اصعب مما كانوا يتصورون.
السبب الرابع- ان الآمال التي يعلقها الناس عليهم (سواء اختاروهم أم لا) تبدو اكبر من امكانياتهم وقدراتهم والظروف والمناخات التي يتحركون فيها، صحيح انهم أسهموا في دفع الناس للمبالغة في «الامل» لكنهم الآن يتعاملون مع «واقع» مختلف، ويفترض ان يتعاملوا معه كما هو.. بعيداً عن تصنيفات «قطب» وبعيداً ايضاً عن احلام «المدينة الفاضلة».
أما خامس هذه الاسباب فهو ان الاسلاميين نتاج مجتمع جرى تشويهه وترويضه منذ قرون طويلة (لا تسأل كيف)، وبالتالي فهم جزء من هذا المجتمع، وان اختلفوا عن غيرهم فهو اختلاف في الدرجة لا في النوع، ولا استطيع ان اطرد هنا من ذهني فكرة ان يكون استبداد «الاسلامي» مطابقا تماماً «لاستبداد» القومي او العلماني.
السبب السادس- ان الاسلاميين الذين وصلوا للحكم يتعرضون لحصارين خانقين: احدهما حصار الزمن بكل ما يحمله من اشتباكات وصراعات وآمال بالتغيير وطموحات شعبية للخروج من «الكارثة» والثاني حصار الخصوم في الداخل والخارج.
اما السبب السابع فهو تجارب الاسلاميين السابقة في الحكم، ذلك ان هذه التجارب ليست غير مشجعة فقط في معظمها (دعك من تجربة الاتراك) وانما ما زالت الذاكرة العربية تحمل انطباعات سلبية عنها.. وتخشى من تكرارها.
لدي بالطبع اسباب اخرى، بعضها عام يتعلق بالاسلاميين عموماً، وبعضها خاص يتعلق بكل فريق منها، وبأمكنة حضورهم وما لها من خصوصيات، سواء على صعيد خطابهم السياسي، او علاقتهم مع الآخر المحلي والاجنبي، او مع صراعاتهم فيما بينهم، او على صعيد طبيعة «مشروعهم الوطني» ومدى ارتباطه بالمشروع الإسلامي.. الخ، لكنني اكتفي بذلك، وأرجو من أعماق قلبي أن لا تكون هذه المخاوف مدعاة للحكم على فشل التجربة قبل أوانها، بقدر ما تكون «دافعاً» للنقد الذاتي والاعتبار والاستفادة من اخطاء الأمس وتقصير الحاضر وصدمة المفاجأة.
( الدستور )