أكل ركبتيه كي لا ينحني!

ليس لانه نسف كل الحواسيب ودروس الحساب بعد ان اكتشف ان الغرف في بيوتنا العربية لها ملايين الجدران، وليس لانه جاع صغيرا ونال من المال في اواخر ايامه ما حرمه حتى من قضم تفاحة لان فمه أدرد.
فقط لانه قال بانه لم يستطع الانحناء على ركبتيه بعد رسوبه في المدرسة الابتدائية رغم اعترافه بالخطأ، لكنه طلب من شعبه ان يعطيه ممحاة يمحو بها ركبتيه او سكينا كي يقطعهما لئلا ينحني عندما اصبح على حق.
وبعد كل تلك الاعوام التي كابد فيها الحرمان والغربة في عقر الوطن والدار وربما كان الوحيد الذي اعلن الخيانة لوطنه رغم انه لم يخن غير الجهل والنذالة والحقد بوابل من الشعر والحكمة والبكاء النبيل.
واذكر انه قال بانه لن يجد سكينا او ممحاة ليقطع ركبتيه خوفا من الانحناء فانه سوف ينحني مرة واحدة فقط وذلك ليأكل ركبتيه باسنانه.
ولا يشبهه الا ذلك الداغستاني الذي قال بانه انحنى طيلة عمره مرتين مرة ليقبل يد جده الفارس الجبلي ومرة اخرى ليسقي حصانه من النبع.
شكرا ايها الشامي الذي قال لنا في احدى مسرحياته ان صقر قريش لو عاد حيا، لاوقفه حرس الحدود عند مداخل اي بلد عربي. كي يقايضوه مع اسبانيا بشاحنة من الطحين!
اين ذهب هؤلاء.. بكل ما لديهم من غضب وكبرياء؟ فقد جاعوا ولم يأكلوا كالحرات باثدائهم او حتى باصابعهم واقلامهم.
كم هو يتيم ومسكين وغريب من تبقى من ذلك الجيل الذي اجترح الطريق في الغابة ولملم الملح المرشوش على الرصيف باهدابه.
وغربة الزمان أنكى واعظم من اية غربة لها صلة بالمكان، لانها كما وصفها الراحل البياتي ابنة كلبة، اشبعتنا موتا وغربة، لا اعرف السبب الذي دعاني الى الاستغاثة بمحمد الماغوط الذي لبى النداء من قبره واخبرني بأنه عندما غرق في طفولته تشبث بخشبة كي يطفو عليها ولم يسأل تلك الخشبة عن نسبها وقبيلتها وطائفتها، فالغرقى لا وقت لديهم كي يسألوا مثل هذه الاسئلة التافهة.
قد يكون الوقت مبكراً على القول ذهب الذين نحبهم او بمعنى ادق احبهم، فثمة من هم على قيد الشعر والحياة.. وحتى من ماتوا منهم، يسهرون الليل وهم ينادمون جذور الشجر ويحكون لاطفالنا في مهودهم حكايات مضادة للنوم كي لا تتحول المهود الى توابيت.
شكراً لمن أكل ركبتين بعد ان عزّ وجود السكين ليقطعهما كي لا ينحني، وشكراً لمن نقشوا كالوشم في الذاكرة كي نتلقح بما أفرزوا من اوصال باسلة ضد هذا التحالف بين الزهايمر والايدز وانفلونزا الكلاب. ( الدستور )