نحن أولاً..
نعيش اليوم بين ثورات صاخبة، مظاهرات هنا، وإعتصامات هناك، ما دفعنا للتساؤل، ترى لماذا لم تحقق بعض هذه الثورات أهدافها؟
لنتذكر الآية رقم 11 من سورة الرعد في القرآن الكريم، والتي يقول فيها الله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))، وهنا ربط الله عز وجل تغيير الحال بتغيير النفس من الداخل في البداية، والخطاب موجه فيها بكلمة "قوم "، فلم يرتبط بالمسلمين فقط، ولا بغيرهم، بل بأي قوم مهما كانت عقيدتهم أو ديانتهم.
نرى كيف يحضر التسويف والإحباط في كثير من الأحيان عند المبادرة بأية فكرة جديدة، فتظهر السلبية الكبيرة التي تكون الأساس في النقاش عند طرح أي أفكار إبداعية، وعندها تكون إجابة الكثيرين بأنه لا يمكن لذلك أن يتحقق، أو يكون واقعا في يوم من الأيام، حتى قبل أن يعرفوا تفاصيل الفكرة.
ومن المهم جداً لنا إذا ما أردنا النجاح في أعمالنا أن نحمل بداخلنا مايكفي من روح المبادرة وتحفيز الذات، وأن نزينها بطوق حديدي من الطموح والإرادة، قبل الأموال والأدوات والمكاتب.
نقطة مهمة لمن يطمحون لتأسيس فكرة أو مشروع يبحثون عن النجاح من خلاله، لتكن دائما أهدافنا من أجل غيرنا، لا من أجل أنفسنا فقط، ولنبحث عن دموع الآخرين لنمسحها بأيدينا نحن، قبل أيدي الآخرين.
فقبل أيام قلائل غالبنا دموعنا ونحن نرى تجربة فريدة من نوعها، تجلت فيها الإرادة في أروع صورها، شاب في السادسة والعشرين من عمره، يقهر المستحيل، أو من يراه البعض مستحيلاً، شاب جعلنا ولأول مرة نخجل من النطق بكلمة "معاق "، فقد أشعرنا بأننا "معاقين " لأول مرة في حياتنا، أمام هامة تهزم الجبال كهامته، شاب نشأ بأطراف لا يتحرك منها إلا لسانه فقط، وكان متوقعاً أن لا يعيش أكثر من أيام بعد ولادته، ولكن الله كتب له أن يعيش، بل ويعيش حياة مختلفة تماماً عن الآخرين، مختلفة بمعاناتها، ومعانيها الرائعة، فقهر عجزه الحركي، وأبهر من حوله بتفوقه العقلي، وأثبت لكل من حوله بأن الإعاقة ما هي إلا إعاقة العقل وليس الجسد، فصدقوا أولا تصدقوا، لقد تخرج حاصلاً على المرتبة الأولى في كلية الإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز، بل وحقق حلمه بأن أصبح صحفياً، نعم صحفياً ينقل هموم وآلالام وأفراح الآخرين للعالم، برؤية شاب عرف معنى التميز والإبداع، وتشبث به بكل أطرافه، ذلك هو (عمار بوقس)، الشاب السعودي الذي إستحق أن يكون معيداً في جامعته، الحلم الذي حاول البعض حرمانه منه، إلى أن أكرمه الله بتحقيقه من جديد في الجامعة الأمريكية في دبي.
لحظة من فضلكم، ليس هذا فحسب، فقد إنتهى عمار من تأليف كتابه "قاهر المستحيل " مؤخراً، بعد أن كان قد أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً في صغره.
لك كل الإحترام يا عمار، ولكل عمار يعمر إبداعه مثلك، ويقهر به جميع المتخاذلون والمثبطون، فبمثل هذا تكون الإرادة.
جميل أن يبحث الإنسان عن نجاحه وتميزه، والأجمل والأروع هو عندما ننظر بنظرة شمولية لنرسم الإبتسامة على وجوه من حولنا، فلنبادر الآن من أجل البحث عن التميز والإبداع، ورفعة أوطاننا التي لا يمكن أن تتحقق بعد توفيق الله عز وجل إلا بهمة الشباب، وطموح الشباب، وإبداع الشباب.
ولنتوقف عن مطالبة غيرنا بأن يكون هو من يبدأ بالمبادرة والمحاولة، لنلعب نحن دور المتفرجين والجمهور الذي يصفق فقط ...!!
لنكن "نحن أولاً " بدلا من أن تكون إجابتنا لغيرنا دائماً هي فلتحاول "أنت أولاً "، ولتكن ثوراتنا على ما في نفوسنا من فساد وظلام أولاً، قبل أن نفكر في الإنجرار وراء المطالبين بالثورة على الحكام والأنظمة، وهم لديهم الكثير مما يثورون عليه في أنفسهم.