أنور وجدي مع حسن بك

حين التقى مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع مع الفنان عادل إمام في احتفال السفارة السعودية بالعيد الوطني الأحد الماضي (19/9)، فإن الحوار بين الاثنين لم يختلف في جوهره عن الحوار الذي دار منذ نحو سبعين عاما بين مؤسس حركة الإخوان الأستاذ حسن البنا وبين الفنان أنور وجدي.
اختلفت التفاصيل والأجواء لكن الموضوع ظل واحدا؛ الحلال والحرام في الفن. في مذكراته يروي أحد رفاق الأستاذ البنا، الدكتور محمود عساف، أنه التقاه ذات صباح من أيام صيف عام 1945، فدعاه لأن يذهب إلى البنك لفتح حساب للجماعة، التي لم يكن لها أي رصيد في البنوك آنذاك. في مكتب رئيس البنك جلسا على أريكة في حين كان أحد العملاء يحدثه وظهره للضيفين. رحب بهما رئيس البنك (شومان بك) بصوت عال، فالتفت نحوهما العميل الجالس وما أن رأى الأستاذ البنا حتى هب واقفا وقال: حسن بك؟ أهلا وسهلا يا حسن بك. ثم تقدم منهما وقال: أنا أنور وجدي، المشخصاتي، يعني الممثل. طبعا أنتم تنظرون إلينا ككفرة نرتكب المعاصي كل يوم، في حين أنني والله اقرأ القرآن وأصلي كلما كان ذلك مستطاعا.
أضاف الدكتور العساف بعد ذلك قوله: كان الأمر مفاجئا لي. نعم لم نكن ننادي الإمام (البنا) أو نشير إليه إلا بقولنا: فضيلة الأستاذ (أو المرشد)، أما حسن بك فقد كانت نشازا. ونقل عن الأستاذ البنا قوله: يا أخ أنور أنتم لستم كفرة ولا عصاة بحكم عملكم. فالتمثيل ليس حراما في حد ذاته، ولكنه حرام إذا كان موضوعه حراما. وأنت وأخواتك الممثلات تستطيعون أن تقدموا خدمة عظمى للإسلام إذا عملتم على إنتاج أفلام أو مسرحيات تدعو إلى مكارم الأخلاق، بل أنكم تكونون أكثر قدرة على نشر الدعوة الإسلامية من كثير من الوعاظ وأئمة المساجد. وأنا أرحب بك وآمل أن تحضر لزيارتنا بدار الإخوان المسلمين بالحلمية الجديدة لنتبادل الرأي حول ما يمكن أن تسهموا به في نشر الفضيلة والدعوة إلى الله. بقية القصة يرويها الباحث عصام تليمة، الذي أورد النص السابق في كتابه «حسن البنا وتجربة الفن»، فذكر أن أنور وجدي حين سمع هذا الكلام بكا وقبل رأس البنا ويده، وبعدها رأينا له فيلم ليلى بنت الفقراء. وقال لي عصام تليمة إنه بعدما أصدر كتابه علم أن زكي فطين عبدالوهاب ابن السيدة ليلى مراد من زوجها (اللاحق) المخرج فطين عبدالوهاب ذكر في إحدى المناسبات أن الأستاذ البنا زار أنور وجدي بعد ذلك عدة مرات في بيته، وكان الفنان الكبير وقتذاك متزوجا من السيدة ليلى مراد، وكانت زيارته تلك من العوامل التي أسهمت في تحولها من اليهودية إلى الإسلام.
سألت الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان عما دار في لقائه مع عادل إمام، الذي برأته المحكمة أخيرا من تهمة ازدراء الإسلام التي نسبها إليه أحد المتدينين، وجدت أنه في رده لم يذهب بعيدا عما قاله الأستاذ البنا لأنور وجدي، سواء في الموقف من الفن أو في أمله في أن يوظف لصالح الإعلاء من شأن الفضائل وإبراز القيم الحقيقية للإسلام.
مما لاحظته في بحث عصام تليمة أنه سلط الأضواء على علاقة قديمة للإخوان بالنشاط الفني تخلت عنها الجماعة فيما بعد، أغلب الظن بسبب توتر العلاقة مع السلطة وظروف الملاحقات الأمنية منذ الخمسينيات حتى سقوط نظام مبارك في العام الماضي. في هذا الصدد تحدث الباحث عن علاقة بين الأستاذ حسن البنا وبين الفنان حسين صدقي. وهي العلاقة التي استمرت بين الأخير وبين الأستاذ سيد قطب، وفي تحرير تلك العلاقة ذكر الباحث أن حسين صدقي أخبر الأستاذ سيد برغبته في اعتزال الفن، لكنه حثه على العدول عن الفكرة، وقال له إنه يكتب عشرات المقالات ويلقي عشرات الخطب، لكنه بفيلم واحد يستطع أن يلغي كل ما فعله، وإذ نصحه بأن يستمر في عمله السينمائي فإنه تمنى عليه أن يكون ذلك في إطار الأفلام الهادفة. وقد استجاب حسين صدقي لذلك وأنتج بعد ذلك فيلمين في ذلك الاتجاه.
استهل عصام تليمة بحثه باستعراض جهود الإخوان في المسرح، وكيف أنهم بدأوا نشاطهم ذاك في عام 1934، وكان الأستاذ عبدالرحمن البنا شقيق مؤسس الجماعة ذو الميول الأدبية هو الراعي لذلك النشاط. وكانت أولى مسرحيات الجماعة باسم «جميل بثينة» التي أنتجتها لجنة تشجيع التمثيل التابعة لوزارة المعارف وقررت إخراجها على نفقتها آنذاك. وكان من النجوم المشاركين فيها أشخاص صاروا أعلاما فيما بعد، في المقدمة منهم جورج أبيض وعباس فارس وحسن البارودي وفتوح نشاطي ومحمود المليجي، وفاطمة رشدي وعزيزة أمير.
اتسع النشاط المسرحي للإخوان وتعددت العروض التي قدموها في تلك المرحلة. وكان من الممثلين الذين لمعوا في تلك العروض آنذاك كل من عبدالمنعم مدبولي وسراج منير ومحمد السبع وشفيق نورالدين وسعد أردش وإبراهيم سعفان، والشقيقان حمدي وعبدالله غيث.
إذا قارنت هذه الخلفية بالصورة الحاصلة الآن تلاحظ أن الإخوان صاروا أكثر بعدا عن عالم الفن، وأغلب الظن أنه سيحيرك السؤال التالي: هل كان الفنانون أكثر مرونة أم أن الإخوان كانوا أكثر استنارة أم أن النخب كانت أقل توترا والمجتمع أكثر تسامحا؟.(السبيل)