ألا نستحق نحن الصوت الثالث؟
تم نشره السبت 29 أيلول / سبتمبر 2012 01:57 مساءً

د.باسم الطويسي
يمكن أن يقتنع أحد أن الاقتراح الذي حمله رئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز لرموز الحركة الإسلامية، والذي ينطوي على تعديل النظام الانتخابي بإضافة صوت جديد على مستوى المحافظة، وتم رفضه من قبل الحركة الإسلامية، هو اقتراح لم ينل على الأقل الضوء الأخضر من قبل مؤسسات الدولة السيادية، وهو القريب جدا من هذه المؤسسات. هذه المفارقة السياسية تنطوي من جهة أخرى على سؤال شرعي: ألا يستحق الشعب الأردني، في القواعد الشعبية العريضة والنخب والأحزاب الأخرى في المعارضة والموالاة، هذا الحق؟ ألا يستحق ذلك كل هؤلاء الذين فقدوا حناجرهم وهم يطالبون بالخلاص من الصوت الواحد طوال أكثر من عشرين سنة، قبل أن تفقد البلاد البوصلة بعد أن غابت الحياة البرلمانية المعافاة؟هذا التطور يعني أن مبدأ الخلاص من الصوت الواحد لم يكن مستحيلا، وهو هكذا بالفعل. ويعني أن الدولة على استعداد للقبول به في مرحلة ما، وأنها في المقابل حرمت الشعب الأردني بكل قواه السياسية والاجتماعية، على مدى عقدين، من حياة برلمانية معافاة تقوم على أساس تشريعي سليم، وكانت على استعداد أن تقدم هذا المطلب لتيار سياسي واحد، وتغض النظر عن إرادة الشعب الأردني بأكمله.لم تعرف مسألة سياسية محلية حالة من التوافق السياسي والاجتماعي حولها مثل التوافق الذي حدث حول التخلص من قانون الصوت الواحد. وقد وصل نضوج هذا التوافق إلى قمته وقت الحوار الوطني في العام 2011، إذ لاحظنا ذلك في حوارات لجنة الحوار الوطني في المدن والمحافظات، وسط القواعد الشعبية الواسعة وعامة الناس والطلبة والأحزاب والعشائر والنخب والقوى السياسية. وعاد الأمر ليتكرر مرة أخرى وقت مناقشة مجلس النواب لقانون الانتخاب مؤخرا، لنكتشف بعد ذلك أن مسار الإصلاح السياسي يرتهن بإرادة قوة سياسية واحدة، تتنازع هي والحكومات المتتالية المناورة، وتقاسم ملعب الحياة السياسية وأعصاب الناس.تتوجه الدعاية الرسمية في هذا الوقت إلى تفسير هذا التطور على أساس تفريغ الحدث من مضامينه السياسية والاجتماعية؛ مرة بأن السيد فيصل الفايز ذهب بمبادرة شخصية ولم يكلفه أحد، ومرة أخرى بأن ذلك لم يكن أكثر من مناورة سياسية لإحراج الحركة الإسلامية أمام المجتمع الأردني، والحد من قدرتها على الحشد والنزول إلى الشارع، وتحديدا يوم الجمعة الذي وعدت أن تنزل فيه بخمسين ألفا في مسيرة واحدة. وفي المحصلة، تلتقي الدعاية الرسمية ودعاية الحركة الإسلامية في نقطة واحدة، خلاصتها كأن شيئا لم يحدث؛ فلا الدولة على استعداد للاعتراف بقبولها التنازل عن قدسية الصوت الواحد، ولا الحركة الإسلامية على استعداد لأن تبدو أمام الرأي العام تعارض من أجل المعارضة ولا يعجبها العجب.لا ندري ما هو السيناريو المرسوم لو أن الحركة الإسلامية قبلت عرض الفايز ودخلت معه في مناقشة التفاصيل. هل سيعني ذلك تأجيلا مؤقتا للانتخابات والدخول في عملية تشريعية جديدة، وتمديدا جديدا للتسجيل للانتخابات؟ وما موقف القوى السياسية الأخرى التي وافقت وتلك التي رفضت وتلك الحائرة؟المشاريع الإصلاحية في العقلانيات السياسية الكبرى هي مشاريع دول ومجتمعات، ولا تخضع لمزاج قوة سياسية واحدة، ولا تفصل على قيافة تيار واحد. وهنا تبدو أهمية التوافق على مبادئ الإصلاح، وإلى أين يمكن أن ينتهي. وهذا ما لم تفعله الدولة الأردنية حينما ضحت بالتوافق الوطني، ووجدت نفسها أخيرا تلهث وراء تيار سياسي واحد. ( الغد )