الورطة !

كان نصف نائم وهو يتابع أحد برامج التلفزيون، حين أحضرت صينية العشاء وجلست، فقالت وهي تصبّ أكواب الشاي: « لهفتي على الرحيل إلى بيتنا الجديد تزداد كل يوم...»
ولم ينظر باتجاهها، لم يبدِ أيّ رد فعل، أضافت وهي تقرِّب إليه قطعة خبز: « لقد اكتشفتُ أن أهمّ مزايا بيتنا الجديد هو جارتي هناك... لقد جلستُ معها اليوم للمرة الثانية؛ فتأكد لي كم هي إنسانة رائعة...»
ازدرد لقمة بصمت كأنه لم يسمعها، فتابعت برنّة فرح: «مثقفة جداً هذه المرأة وعميقة؛ لقد نبهتني إلى أن نمط حياتي خاطئ للغاية، وبأنّي مذنبة في حق نفسي باقتصار اهتماماتي وطاقاتي عليك وعلى الأولاد والبيت فقط ! «
التفت إليها،هنا، قليلاً، ثم عاد ليتابع أكله نصف مغمض... فقالت: « لقد اتفقنا تقريباً على برنامج يومي مشترك بمجرد رحيلنا واستقرارنا هناك؛ إذ عرضت عليَّ أن أشاركها مشوارها الصباحي الباكر سيراً على الأقدام، ثم قررت أن تعرفني على أحد المراكز الثقافية، تصوّر، سأخصص وقتاً للقراءة اليومية مثلها، وعرضت علي مرافقتها في مشاويرها الأخرى ؛ فهي متابعة مواظبة لمعظم الندوات والمؤتمرات النسائية، ومن المتحمِّسات لتحرير المرأة... «
سرحت بنظراتها بسعادة وهي تردّد: « أشعر أن حياتي كلها ستتغير، هذه المرأة ستفتح أمامي آفاقاً لم أكن أحلم بها « !
وتنبَّهت إليه يتطلّع نحوها بفضول، وقد توقف عن الأكل تماماً... فأضافت: « لقد سألتني عنك، وعن شخصيتك، وأسلوبك في التفكير... فأكدت لها أنك واسع الأفق، مستنير، مثقّف، وأن التغيير الذي سيطرأ على حياتي سيسعدك جداً، فأعلنت إعجابها بك...»
أشاح بوجهه عنها دون تعليق، وتسمَّرت عيناه على شاشة التلفزيون دون أن يسمع أو يرى شيئاً !
وفيما قامت عائدة بالعشاء إلى المطبخ، اتجه إلى سريره بهدوء، واستلقى يفكر... صار من الحتمي والضروري الآن، إيجاد سببٍ وجيه مقنع لإلغاء فكرة الرحيل تماماً رغم أنه دفع عربوناً محترماً للبيت، لكن هذا لم يعد يهم الآن... المهم، هو أن ينفِّذ ما عزم عليه دون أن تهتز صورته في ذهن أيّ من المرأتين !
( الرأي )