لماذا تعطلت لغة الحوار بيننا؟

اخشى ما اخشاه ان يصبح “التحشيد” جزءا من ممارساتنا السياسية. وان يتحول فيما بعد الى “لغة” للتخاطب والتواصل، ثم نستمرىء هذه الحالة فندفع في بمجتمعنا الى مزيد من الانقسام، وببلدنا الى ازمات واحتقانات تأخذنا الى المجهول.
لا يقتصر التحشيد على هؤلاء الذين يدعون للخروج الى الشارع في مسيرات “حاشدة” وانما ثمة الوان اخرى لا تقل خطرا، منها ما يتعلق بالصدى الاعلامي الذي يتوجه الى عواطف الناس بدل عقولهم، ويحاول ان يؤجج نيران الخلافات بدل ان يطفأها، ويبحث في “بؤر” الصدام والشك بدل ان يتولى توجيه النقاش العام حول قضايا البلد واولوياته المهمة. ومن صور التحشيد ما يتعلق بمقررات “مستعجلة” واجراءات “نيّة” تدفع الناس للشعور بالخيبة وغياب العدالة او تثير لديهم الاحساس بالغضب، او بالاستهداف غير المبرر.
كان يمكن –بالطبع- ان نستثمر “التحشيد” لبناء توافقات وطنية، او تدشين حوارات جدية نطرح فيها بالهواء الطلق ما يدور في اذهان الناس من اسئلة وما يجب ان نقدمه من اجابات، وكان يمكن ان ننحاز لمنطق العقل من اجل تفعيل طاقات الناس واحياء “الهمة الوطنية” واشاعة الامل بينهم، لكن للاسف لم ننتبه الى ايجاد مثل هذه القنوات لتصريف ما نعانيه من احتقانات، ووجدنا انفسنا امام “حالة” من التجاذب والشد والاستقواء، وكأننا في “معركة” فاصلة، او كأن “بلدنا” محصّن مما حدث حولنا من زلازل.
لا شك بان السياسي والاعلامي يتحملان مسؤولية ما حدث وما سوف يحدث، وبأن من واجبهما الوطني والاخلاقي ان يؤسسا لخطاب “رشيد” يتجاوز حسابات اللحظة واستحقاقاتها الى المصلحة العليا للناس، فلا معنى –ابدا- لمنطق التوظيف ولا جدوى من استخدام “مشاعر” الناس وقضاياهم “كذخيرة” حيّة لاطلاق النار في كل اتجاه.
مثلما نقول لمن يعمل على تحشيد الشارع: انت مخطىء، يجب ان نقول للمسؤول الذي يدفع الناس “من خلال اصدار قرارات غير مدروسة” الى الجدار: انت مخطىء أيضا، ونقول للذين يذهبون الى تخوين الاخرين والتشكيك في نواياهم وتجربتهم والتأليب ضدهم: انتم مخطئون ايضا.
بلدنا اليوم بحاجة لمن ينزل منه “صاعقة” التحشيد، وبحاجة اكثر من اي وقت مضى الى “صوت” العقل، وطاولة الحوار، ومنطق المصلحة المشتركة “لكي لا نقول المحبة والوئام” هذه كلها فريضة الوقت التي يجب على الجميع القيام بها لكي لا تأخذنا “العواطف” الى جزر اخرى مسكونة بالخوف لا قدّر الله.
( الدستور )