عصا تشبه الجزرة !!

قبل بضعة أيام سأل عضو في مجلس الشعب المصري وزير الزراعة الاسبق عن السبب الذي يحول دون الاستثمار الزراعي في السودان البلد الذي كان يسمى خزان الماء وسلة الغذاء، ضحك الوزير الذي حوكم بتهمة الكسب المشروع وقال .. امريكا لا تريد ذلك.
وتذكرت يومها على الفور كتابا صدر في بيروت بعنوان تصدير القمع «بالعين» ولا ادري لماذا قرأت العنوان على انه تصدير القمع. وكنت أعرف السيدة مترجمة الكتاب وقلت لها ان عنوان الكتاب ملتبس من حيث الطباعة، فأجابتني بنبرة يسارية ساخرة.. لا بأس فهذا الالتباس لصالح الكتاب، لأن من يصدرون القمح هم الذين يصدرون القمع ايضا، وما جرى خلال حرب الخليج عندما كان القمح الامريكي يصل الى مصر بالتقسيط غير المريح يؤكد قناعتنا ان هناك صلة تتجاوز تشابه الحروف بين القمح والقمع تماماً كما هو الحال اليوم مع ثنائية المنح «بالحاء» والمنع (بالعين)! فهي تلخص ما يسمى ثنائية الترهيب والترغيب او الجزرة والعصا، رغم ان هناك حالات فرض العرب فيها ان يفاضلوا بين عصا واخرى أي بين هراوة غليظة وعصا من الخيزران، قد تكون أنعم لكن أذاها أشد.
وحكاية القمح الامريكي مجرد مثال، فهناك من الدول من تتحول الى رهائن بسبب فائض التبعية، لأنها لا تأكل مما تزرع ولا تحارب بما تضع من سلاح، واي امتناع عن تزويدها بقطع غيار للسلاح الذي تستورده ولا تصنعه يحوله الى مجرد سدائب من الحديد والسكراب!.
ان مفهوم السيادة الذي تعاد صياغته الآن وفي زمن العولمة وتشريع الانتهاكات والتدخل ليس سياسياً فقط، كما ان الاستقلال ايضا ليس مجرد نشيد وطني ومعزوفة موسيقية وقطعة قماش ملونة, ولأن الاشياء كما المواقف تذكرنا بما يماثلها فقد شاهدت موقفاً مدته أقل من دقيقة في فيلم السفارة في العمارة، تنبه الناس في هذا الفيلم الى المضحك المبكي من المواقف السياسية والتراجيكوميدية، لكن ذلك الموقف الذي استغرق دقيقة واحدة، هو على النحو التالي: رجل اعمال مصري يستقبل السفير الاسرائيلي في منزله ويدعو بطل الفيلم عادل امام للانضمام اليهما، وعلى الفور يقف بطل الفيلم مندهشا وهو يسمع رجل الاعمال يطلب من اسرائيل عبر سفيرها خبراء في الزراعة.
يقول البطل.. ان بلداً عاش على الزراعة سبعة آلاف عام يستعين الآن بمن لم يزرعوا بل حصدوا ما زرع الآخرون!.
لهذا كله، أشكر مترجمة الكتاب والخطاط الذي جعل حرف الحاء في كلمة قمح أشبه بحرف العين في كلمة قمع، فالاثنان توأمان ولدا من رحم رأسمالية مدججة بالايديولوجيا والسلاح، ويسيل لعابها على أسمال طفل مات جوعاً في الصومال أو على حفنة سكر بيد طفل كوبي، وكان من حق كاسترو وحده ان يقول بأن السكر مرّ كالعلقم.
مانحون ومانعون، وقمح وقمع، وحوار وخوار, وعار وغار، وعصا تشبه الجزرة..
تلك هي العلامات الفارقة لعصرنا النذل!.
( الدستور )