هل سيكون الإنتخاب اختيارا ؟ أم سوقا كالقطيع؟
لو حاولنا البحث في معنى كلمة قطيع لوجدنا أن كلمة قطيع تطلق عادة على الحيوانات والبهائم، ولا تطلق على البشر إلا من باب التهكم والاستهزاء، بمن يشبهون الحيوانات في تفكيرهم وسلوكهم، وفيمن يتصف بصفة الحيوان الذي لا يملك عقلا ويعتمد في حياته على غريزته .
وفي قاموس المعاني فإن كلمة قطيع توصف بها مجموعة من الغنم والأنعام يقودها راع و تجمع في مكان واحد وتساق سوقا .
وقد يكون للكلمة وقع سيئ عند البعض، إلا أنها تبقى صحيحة في تقديم وصف للكثير من المسلمين اليوم وخاصة منهم أولئك الذين يدعون العلم بالأشياء وفهم المعاني والأحداث والاطلاع والمعرفة، والحقيقة أنهم في كل هذا يساقون كالقطعان ويوجهون كيفما أراد الراعي والموجه لهم .
فالقطيع عموما يقوم على توجيهه راع سواء بفضل العصا التي يهوي بها على المخالف والقاصي من القطيع، أو بواسطة الصوت الذي يرفعه لحث هذا القطيع على المضي في طريقه المرسوم سلفا و لتحذيره بعدم الخروج عن الطريق المرسوم له وإلا فالويل له .
لو تتبعنا ما تمارسه أميركا وغيرها من الدول المسماة بالعظمى على عالمنا العربي ، بل والعالم فهي التي تعمل على إدارة الكثير من الأمور في أنحاء العالم برمته ، وخاصة اميركا ،فلها دور الراعي والمرشد والشرطي والقائم بكل شيئ في عالمنا ،إضافة إلى دور قيادة العالم وتوجيهه التوجيه الذي تراه هي ولمصالحها .وفي هذا لا يتحقق إلا بترؤسها القيادة العالمية وتوجيهها الوجهة التي ترضاها هذه الدول العظمى لنفسها ، وليس ما يرضاه عالم الدول النامية وإن كانت في الواقع هي نائمة ، فتقوم برسم الطريق الذي يجب ان يسير عليه القطيع خطوة خطوة من دولنا النامية .
إن المشكلة بل الطامة الكبرى التي تكمن في كثير من المسلمين الذين ينساقون ، وينجرون خلف ما تقوله اميركا ، وبرغم إدعاء هؤلاء بمحاربة الشيطان الأكبر اميركا ، بل إنها العدو الذي يجب طرده من أجنداتنا ، ولكنهم يظهرون عكس ما يبطنون، بل وقد يتبعون اميركا شبرا شبرا.
ويفرحون لكل ما تقدمه ، دون معرفة ووعي لهذه الأمور ، وقد يخرج بعض هؤلاء المدعين ومن هم في مكانة عالية ومعرفة علمية ، ودرجة كبيرة من الفهم المدعى ، بل ويمنون على الناس بهذا العلم والمعرفة ، فهم يطالبون بالحرية وا لديمقراطية وفقا للقيم والعدالة الأمريكية والسير على طريق الإصلاح المنشود من العم سام .
فلو نظرنا إلى سلوك القطيع عند الحيوانات لوجدنها تهرب من الحيوانات المفترسه بشكل جماعي ، ويعتبر هذا السلوك الجماعي للقطيع على أنه مع الجماعة وأنه يظهر بمظهر الوحدة الواحدة ، في حين أنه يخدم نفسه بالدرجة الأولى ، حيث يقلل الخطر عن نفسه بدخوله مع الجماعة بالقطيع وللسلوك بسلوكهم خدمة وحماية لنفسه أولا ، وللجماعة ثانيا .
إن الكثير من البشر قد يسلوكون سلوك القطيع في مجتمعاتهم البشرية ،فمن بعض البحوث التي أجريت على بعض الأشخاص لفهم تصرفاتهم في الجماعة الواحدة لمعرفة ما يسمى بسلوك القطيع أو أخلاق القطيع الواحد عندما يقومون بالتصرف بسلوك متشابه ، فوجدوا أنه في الجماعة الواحدة يميل الاشخاص الأقل مركزا أو الاقل تأثيرا في الجماعة إلى التصرف بسلوك من هم أعلى مركزا أو أحسن حالة وظيفية أو اجتماعية منهم.
ومن أشهر الأمثلة على سلوك القطيع في المجتمعات البشرية: سلوك الأشخاص في المشاجرات الجماعية ، وأثناء المظاهرات، بل وأثناء اتخاذهم للقرارات الروتينية ، فنرى في المشاجرات والمظاهرات الكل في إندفاع وغوغاء وقد تصل للهمجية .
فسلوك الأشخاص في الحشود والمظاهرات يبين ما يظهر من فوضى لما يقوم به الأشخاص الذين ينتمون لجماعة ما عندما يقومون بالتظاهر احتجاجا على وضعهم أو على قرار لم يعجبهم ،
أو عندما يقوم من ينتمي لحزب أو عرق معين بالدفاع عن عرقه وطائفته وحزبه. حيث يلجأ هؤلاء الافراد إلى التجمهر في مكان ما والتصرف بطريقة غوغائية عشوائية، فينتج عنه إصابات أو وفيات في كثير من الأحيان.ومنها على سبيل المثال الأحداث الرياضية حيث تحدث فيها أعمال شغب وعنف عندما يفوز فريق أو يهزم لأحد الطرفين ، وكذلك الشغب الجماعي في مواقف اخرى
لو راقبنا سلوك الأشخاص في قراراتهم اليومية لتبين أنه يظهر فيه سلوك القطيع ، حيث يقرر الشخص قراراته الروتينية بناءا على المعارف والمهارات التي يكتسبها من الآخرين أو بناءا على التصرف الذي يراه من الآخرين .
فعلى سبيل المثال لو أراد شخص الخروج ليلا باحثا عن مكان ليجلس فيه سواء لإحتساء الشاي ، أو القهوة ، فمر على مكانين وكانا في نفس المستوى من ناحية المظهر الخارجي والخدمة المقدمة، لكن احداهما كان مزدحما بالزبائن ، بينما الآخر كان فارغا ولنقل زبائنه قلة، سنجد أن الرجل يتوجه تلقائيا إلى المكان المزدحم معتقدا أن وجود الناس فيه لابد وأن يعني أنه أفضل .
قد يكون في سلوك القطيع بعض الفوائد فمنها حصول الشخص على تأيد لقراره ، وتحقيق المصالح الشخصية المستندة على الآخرين ، كما هي الحال في سلوك الحيوانات .
ولكن هناك مساوئ لسلوك القطيع فمنها إهمال الشخص لتفكيره وقراره الشخصي وذوبانه في الآخرين . و تعريض نفسه للأخطار وأحيانا للقتل كما يحدث في أعمال الشغب .
قد يكون القرار الذي فكر به وأراده أفضل من القرار الذي اتخذته الجماعة فيضيع على نفسه فرص الحصول على القرار الأفضل باتباعه للجماعة .
فالتفكير الجماعي أو تفكير القطيع أو اتخاذ القرار بصورة جماعية هو نوع من التفكير تحاول فيه جماعة ما تقريب وجهات النظر في محاولة منهم لتجنب الدخول في صراعات والوصول لاتفاق بدون نقد آراء الآخرين مع تحليل وتقييم الأفكار مما يحافظ على روح الجماعة .
وفي أثناء التفكير الجماعي، يتجنب بعض المشاركين في الحوار طرح وجهات النظر التي قد تؤدي إلى عدم توافق الآراء، في محاولة منهم بألا يظهروا في صورة الحمقى أو لتجنب غضب بعض المشاركين، وهي احدى مساوئ التفكير الجماعي حيث لا تطرح الأفكار المعارضة لكي لا يكون الشخص منبوذاً من الفريق أو لكي لايرى بمظهر الفاشل أو غير المتعاون .
وها هي الإنتخابات النيابية تقترب منا فهل يظهر كل واحد منا بتفكيره المستقل المبني على الفهم والإدراك والوعي بإختيار الشخص المناسب ومن يراه الأفضل لينتخبه ويمثله ودون أية إعتبارات ؟
أم يسلك سلوك القطيع المنسجم مع رأي الجماعة وإن خالف ما يريده هو فينتخب حمية وعصبية لقبيلته وعشيرته وابن بلدته وليحتمي برأي جماعته ؟؟
نأمل ألا يكون سلوكنا في الإنتخابات كسلوك القطيع ، مع الإحترام والتقدير للجميع .