مرحلة سياسية جديدة بإمضاء ملكي

منذ ليلة أمس، وبصدور القرار بحل مجلس النواب، بدأت مرحلة سياسية جديدة، ستشهد المملكة خلالها تطورات دراماتيكية وسريعة. فثمة حكومة جديدة، وعملية انتخابات يتخللها كثير من التفاصيل، يليها مجلس نواب جديد، فحكومة برلمانية.
وبإعلان الإرادة الملكية بحل مجلس النواب وإجراء الانتخابات وفقا لأحكام القانون أمس، أكد الملك التزامه التام بخريطة الإصلاح.
وحل مجلس النواب في هذا الوقت بالذات تأكيد على إرادة المضي في تنفيذ خريطة الإصلاح التي أعلنها الملك، ليقطع الطريق على الفريق القائل بإمكانية تأجيل الانتخابات، وتعديل قانون الانتخاب.
دستوريا، ستجرى الانتخابات خلال أربعة أشهر من تاريخ الحل، وإلا عاد مجلس النواب الحالي؛ وهذا سيناريو مستبعد في ظل الإصرار الملكي على تنفيذ خريطة الإصلاح المرسومة المعالم، ما يعني أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تاريخ البلد ومستقبل الإصلاح.
لربما لا يترك حل المجلس أثرا لدى النخب، لكنه ذو تأثير إيجابي على العامة من الناس، الذين ما يزالون يذكرون كيف تعامل هذا المجلس مع ملفات الفساد، وكيف رحّل قوانين مؤثرة في حياتهم، مثل الضمان الاجتماعي، والضريبة، والمالكين والمستأجرين.
ورحيل المجلس يمهد دستوريا لاستقالة حكومة فايز الطراونة، التي يلزم رحيلها خلال أسبوع من صدور قرار الحل. الأمر الذي يعني رحيل الحكومة قبل نهاية الأسبوع المقبل، وعلى الأغلب في منتصف الأسبوع.
ستأتي حكومة جديدة تشرف على إجراء الانتخابات المقبلة، يتوقع لها أن تمضي أكثر من ستة أشهر في الدوار الرابع، إلى حين نضوج فكرة الحكومة البرلمانية، والتوافق على رئيس جديد يؤسس أول حكومة برلمانية في عهد الملك عبدالله الثاني.
والواقعية السياسية بعد حل مجلس النواب مطلب، كونها تبعد البلد عن التأزيم. والتعامل وفق هذه الواقعية يقتضي من جميع القوى السياسية وقفة مراجعة للحسابات؛ فالانتخابات ستتم، والقوة السياسية الأهم، الإخوان المسلمون، غائبة وباقية في الشارع، فلمن سيتركون مكانهم؟ سؤال عليهم أن يقدموا إجابة مقنعة عنه.
والقلق والخوف بلغا حدودا كبيرة في الأيام الماضية، نتيجة تصعيد الدولة والإخوان كل ضد الآخر، ما يؤكد الحاجة فعلا إلى هذه الواقعية السياسية من الطرفين، بحيث يتعامل الجميع وفق المعطيات المتاحة لإشاعة جو من السلام في بلد لا يحتمل تبعات التصعيد؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الإعداد للانتخابات مسألة صعبة، واستعادة الثقة بالعملية الانتخابية أصعب. وذلك لن يتأتى إلا بخلق بيئة مواتية لنجاح هذه الخطوة، بحيث يتم ترطيب الأجواء العامة وتهدئة النفوس، وذلك باتخاذ قرارات تؤكد وجود عقل حكيم حريص على مصلحة الأردن، مثل إطلاق سراح معتقلي الحراك، تماما كخطوة تأجيل مسيرة الولاء التي كادت تفتح علينا أبواب إبليس.
خطوة حل مجلس النواب أشاعت أجواء من الراحة، وفتحت الباب لآفاق جديدة في عملية الإصلاح السياسي. وتقريب وجهات النظر ما يزال متاحا من خلال الحوار.
لنا أن نتخيل كيف كان الحال بالأمس، وكيف هو اليوم، وماذا فكرنا قبل 24 ساعة فقط، وكم كانت السيناريوهات سوداء ومحبطة من مواجهة وتصادم خطرين! وعلينا إدراك أن تغيير الحال إلى الأحسن أمر ممكن.
حتى اليوم، ما يزال الإسلاميون في الشارع. وقرار حل مجلس النواب كان رسالة واضحة للجميع، بمن فيهم الإسلاميون. ورد الحزب الأقوى على المرحلة الجديدة سيتضح من خلال عدد الذين سيشاركون في مسيرة اليوم. فلننتظر ونرَ.
( الغد )