لا جديد في عمان

قبل الجمعة، بعد الجمعة، يبدو أن لا جديد جديا في عمان إلى هذا الوقت. فالرسائل الإعلامية والدعائية التي هدف إليها منظمو مسيرة "إنقاذ الوطن" وصلت، والرسائل التي كانت مؤسسات الدولة ونخبها التقليدية تحاول إيصالها وصلت أيضا. وحدها رسائل الإصلاح التي يحتاجها المجتمع والدولة معا ما تزال تصل مشوشة، ما يجعل من الحكمة أن لا نراهن كثيرا على هذه اللعبة السياسية، أي لعبة اقتسام الشارع؛ فالطرفان يمارسان شراء الوقت على حساب إنقاذ الوطن.
لا جديد في عمان، فقد أثبتت أحداث متتالية أن السلم الأهلي في الأردن مصان من قبل المجتمع الأردني، ليس لأن الناس في هذه البلاد أكثر طيبة وتسامحا من غيرهم، ولا لأنهم أكثر وعيا سياسيا، بل لأن الناس يعرفون جيدا مصادر تهديد السلم الأهلي، والكل يعمل على لجمها بوعي وبدون وعي، ما خلق نوعا من الحصانة الذاتية التي تحول دون انفجار الأمور. والجمعة الأخيرة وغيرها تثبت أن التنظيمات السياسية والقوى الشعبية قادرة على إخراج عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف، دون أن تنقلب الدنيا، لا بل نكسب المزيد من احترام العالم وتقديره.
بغض النظر عن التفاهمات التي حدثت وحالت دون نزول مسيرة الموالاة إلى الشارع، مقابل انضباط مسيرة المعارضة والتزامها بسقف محدد من الشعارات والمطالب، فإن القراءة السياسية لا تشير إلى جديد. فنفس قنوات التفاهم التقليدية هي التي تحكم ديناميات العمل السياسي الحالي؛ ساحة مفرغة من الحياة السياسية الحقيقية؛ قوى محدودة ومعروفة بدقة هي المسموح لها بالتحرك، ما يتيح المجال واسعا لتحالفات تمنع ظهور أي قوى سياسية جديدة من أجل مزيد من التعدد والتنوع اللذين يمنحان الحياة السياسية والمعارضة المعنى السياسي الحقيقي. وهذه الخلاصة يمكن قراءتها بشكل واضح كأهم نتيجة لجمعة "إنقاذ الوطن"، والتي يمكن أن تُقرأ من زاوية أخرى، بأنها النهاية غير المعلنة للحراك الشعبي الأردني في هذه المرحلة على أقل تقدير.
لقد ناضلت قوى شعبية وسياسية، من مدارس فكرية متعددة، وبأيديولوجيات وبدونها، على مدى عمر الحراك الشعبي من أجل أن يحافظ هذا الحراك على لون سياسي مختلف خارج خطوط التقسيم التقليدية في الحياة السياسية الأردنية، وخارج سياق الأطر المجربة. ولقد نجح الحراك، في مرحلة ما، في أن يؤطر هذه الهوية السياسية، وهو ما كان له الوزن السياسي الراجح في معادلات ما سمي الربيع الأردني. وهذا لم يعجب الكثيرين، ما جعل كلا من المؤسسات الرسمية، والمعارضة التقليدية، تدخلان في معركة غير معلنة للاستحواذ على الحراك الشعبي، ولو على حساب بعض الثوابت التي طالما نادى بها هذا الطرف أو ذاك.
ولعل مكانة الحراكات الشعبية التي زادت على السبعين التي أعلنت مشاركتها في مسيرة الجمعة، تدل على نصيب الحركة الإسلامية في مسار احتواء الحركة الاحتجاجية الوطنية. في المقابل، كم بدت هذه الحراكات صغيرة وبسيطة ورمزية، مقابل قوة وحضور الحركة الإسلامية، وكأنه كان مقصودا أن تبدو الأمور هكذا، إذ لاحظنا حراكات بأسماء العشائر، وحراكات بأسماء الحارات أيضا؛ بكلمات أخرى، عدنا إلى اللعبة التقليدية: الدولة والحركة الإسلامية، والحيلولة دون ظهور أي قوى سياسية جديدة قد تغير التوازنات التقليدية.
لا جديد في عمان، ما لم نصل إلى تعدد حقيقي في الشارع وفي القوى السياسية، وأن نمكن الناس من استخدام ألسنتهم وأقلامهم وأفعالهم في الدفاع عن مصالحهم، والتي هي في محصلتها مصلحة الوطن العليا.
( الغد )