إحصاء المسيرات .. شيء من الفكاهة لا يضر
تم نشره الأحد 07 تشرين الأوّل / أكتوبر 2012 02:10 صباحاً

أحمد ابوخليل
في اليومين الماضيين، كانت أغلب النقاشات حول عدد المشاركين في مسيرة الجمعة تنتهي بعبارة "ليست الأرقام مهمة بذاتها"، ولكن قائل هذه العبارة سرعان ما كان يتوجه الى أقرب مصدر ليسأله عن معلوماته عن الأرقام.
خلال ساعات المسيرة ذاتها لاحظت أشكالاً متعددة للإحصاء: بعضهم اكتفى بأوصاف مثل: "البلد بْتِنْغَل نغل" أو "الشوارع مطرومة طرم"، ثم قام بتحويل مستوى "النّغل" و"الطرْم" الى أرقام حسابية. وبالمناسبة فإن بعض المعنيين بالمسيرة لم يكونوا بعيدين عن هذه الطريقة، وقد قرأت أرقاماً تعني وفق المساحة على الأرض، أن المشاركين اصطفوا متلاصقين "بتداخل" تام على أن يحمل كل مشارك ثلاثة زملاء –متداخلين أيضاً- فوق أكتافه.
مراسلو الفضائيات يعتمدون على اللقطات الإجمالية العلوية، وهو ما يُعرف في العمارة بمنظور "عين الطائر"، ثم يصممون معادلة وفق المساحات، وهي طريقة لا تستطيع رصد الفراغات إلا إذا كان الطائر متحركاً أفقياً فوق الناس، وقد سمعت بالأمس أن هناك جهات لديها فعلاً مثل هذا "الطائر" الذي يحسب عدد الرؤوس.
بالنسبة لي اتبعت وسيلة الحساب والتصوير التفصيلي من أسفل، وهو ما يُعرف في العمارة وعلوم الاجتماع، بمنظور "عين النملة"، وهو ما يتيح مراعاة اختلاف المواقع من حيث الكثافة، ولكنه يستدعي أساليب حساب مرنة متنوعة وفق تنوع المواقع واختلاف الكثافة.
إضافة لذلك كان الزمن كافياً لاتباع وسائل تبدو فكاهية، ومنها ما يلي:
لقد بدأت البحث الاجتماعي (الأنثروبولوجي) في وسط عمان منذ 15 عاماً، ومن بين المجموعات التي أعرفها، هناك عدد من الشباب يتبدلون بين سنة وأخرى، ولكنهم يشكلون ظاهرة دائمة، وهم يقومون بتأجير أطباق من الكرتون للمصلين يوم الجمعة يفرشونها تحتهم، وقد تشكلت لدى هؤلاء خبرة طويلة بالكثافة المقارنة للمصلين، وأصارحكم أنني عندما توجهت اليهم قبيل الصلاة، وسألتهم عن مستوى الطلب على كراتينهم، كانوا غاضبين، ولكن وللإنصاف فإن جزءاً من غضبهم سببه، وفق ما قالوا، أن الحضور في هذا اليوم ليسوا من زبائن الكرتون، بينما الزبائن المعتادون لم يحضروا وتركوا هذه الجمعة للمسيرة، وقد كنت على وشك نصيحة المنظمين باستئجار الكرتون فوراً، لولا خشيتي على مستوى الحياد عندي، ومع ذلك فقد همست بالملاحظة بأذن صديق متحمس للمسيرة.
الأسلوب الثاني وله أهمية تقديرية: فقد كان اغلب حضور المسيرة يلبسون على رؤوسهم طواقٍ خفيفة بيضاء باسم النقابات المهنية، وقد تردد قبل المسيرة أن النقابات طبعت عشرة آلاف طاقية من هذا النوع، ولدي صور التقطتها قبل الصلاة بدقائق تبين وجود صناديق (بل صندوقين فقط، لماذا الكذب؟)، كان يجري التوزيع منهما أمام المسجد، مع التأكيد أن منهج "عد الطواقي" هذا، لا يخدم وحده إلا كمؤشر ثانوي، يُحسب حيناً لصالح منظمي المسيرة وحيناً ضدهم، وذلك وفق تعقيدات حسابية (نقابية) لا مجال للتفصيل فيها، وعلينا بالطبع أن لا ننسى مقولة: "ما كل مَنْ لبس الطواقي مشارك"، وهي العبارة التي اعتذرت بواسطتها عن لبس الطاقية التي عرضها صديق عليّ، بعد أن فشلت حجتي بأني ذو رأس كبير يحتاج لطاقيتين معاً، وهو ما يعني احتمال أن أحسب مرتين، وهو بدوره ما سيعني زيادة غير حقيقية بمقدار مشارك واحد في عدد المشاركين، وهو ما لن يقبل بها المنظمون بالتأكيد.
أخيراً أعرف أني أطلت في الكلام، لكن مشكلتي أنني أمّنت بهذه المناسبة مؤونة أسبوع من المقالات وأخاف أن تنتهي صلاحيتها.