التدقيق المسبق- قرار خاطئ

قرر مجلس الوزراء أن تخضع مدفوعات جميع الجهات الحكومية والرسمية للتدقيق المسبق قبل الصرف من قبل مندوبي ديوان المحاسبة وهو قرار مخالف للقانون كما يعترف القرار نفسه.
تكمن وراء هذا القرار نوايا حسنة تتعلق بمنع حصول اخطاء في إنفاق المال العام ، ونوايا أقل ُحسنأً وهي التهرب من المسؤولية عن التجاوزات والاخطاء وتعليقها في رقبة ديوان المحاسبة طالما أن مستندات الصرف ممهورة بخاتم وتوقيع الديوان.
التدقيق مرحلة لاحقة للتأكد من كفاية نظام الضبط الداخلي في الوزارة أو الدائرة ، وقانونية الصرف واستيفائه للشروط. وليس مرحلة إدارية أولى تقرر الصرف من عدمه ، وتحوّل المحاسب والمدير المالي إلى مجرد ماسك دفاتر.
الوزارات والدوائر التي تتصرف بالمال العام يجب أن تتوفر فيها وسائل الضبط والتدقيق الداخلي ، ثم يأتي مندوب الديوان ليفحص ويأخذ عينات ويتأكد من أن المحاسب او المدير المالي يقوم بواجبه وليس الحلول محله.
عندما يقوم المحاسب أو المدير المالي أو أمين الصندوق بالصرف يأخذ بالاعتبار أن قراره سوف يخضع لتدقيق لاحق من قبل الديوان ، ولذلك يحرص على صحة المعاملة واستكمالها للشروط ، أما في حالة التدقيق المسبق فإن المحاسب والمدير المالي والمدقق الداخلي ليسوا الجهة التي تتأكد من صحة المعاملة ، بل إن المدير المالي سوف يقول للمراجعين القرار ليس عندي. اذهبوا إلى مندوب الديوان ، فإن وافق على الصرف قمنا بالتنفيذ. بعبارة أخرى فإن المدقق أصبح صاحب قرار الصرف وهو الذي يتحمل المسؤولية فمن يدقق عليه؟.
المدقق لا يختلف من حيث المبدأ عن المحاسب في مجال الأمانة والإخلاص والخضوع للضغوط ، ونقل المسؤولية من المحاسب إلى المدقق الخارجي. يحوّل الأخير إلى صاحب قرار إداري غير خاضع للمراجعة ، كما أن تطبيق قرار مجلس الوزراء يوجب مضاعفة عدد المدققين في الديوان إلى عشرين ضعف عددهم الحالي ليحلوا محل مئات المحاسبين في الوزارات والدوائر الرسمية.
إذا جاز تكليف ديوان المحاسبة بالتدقيق المسبق ، بحيث لا يتم الصرف إلا بعد موافقته ، فلا يبقى لزوم لتقرير الديوان السنوي لأنه لن ينتقد نفسه ولن يعترف بأخطائه.
في بلدنا تجوز الكتابة والحوار في البديهيات ، فما ذكرته من مخاطر التدقيق المسبق ونتائجه العكسية يرقى إلى مستوى البديهيات ، ومن المحزن أن يمر من مجلس الوزراء قرار كهذا يخالف أبجديات مهنة التدقيق.