ثقافة الاستحواذ !!
تم نشره الثلاثاء 09 تشرين الأوّل / أكتوبر 2012 05:40 مساءً

خيري منصور
في الخمسينات والستينات من القرن الماضي كان أحد أهم شعارات المتوالية الانقلابية في العالم العربي بعد فلسطين هو الاحتجاج على الاستحواذ وما تمارسه شريحة محددة من احتكار على حساب أغلبية الناس، وكان علينا أن ننتظر قليلاً كي نرى ان الأسماء تبدلت والوجوه تغيرت، لكن الثابت شبه المقدس هو الاحتكار وثقافة الاستحواذ، وسرعان ما اتضح ان شهاب الدين العربي ليس أفضل من أخيه.. وأن العودة المبكرة الى العادات القديمة ليست وقفاً على حليمة أو سواها بل هي السائد والمقرر.
وقد عالج هذا الشجن المزمن العديد من الكتاب العرب اضافة الى السينما والمسرح, وقد تكون رواية الشطار للراحل شلبي والتي تحولت الى فلم سينمائي هي النموذج الابرز لرصد هذه الظاهرة الوبائية، فالشطار موجودون في كل زمان ومكان ولديهم القدرة والمهارة على تغيير الاقنعة وحتى الجلود اكثر من الحرباء، لكن الفارق هو ان الحرباء حيوان بريء يغير لونه من الخوف ودفاعاً عن حقه في البقاء، بينما هؤلاء يغيرون جلودهم كي يخدعوا الآخرين ويأكلوا لحومهم أحياء وموتى!
ما نخشاه بعد كل هذا الحراك وعواصف التغيير ان تتكرر الحكاية ذاتها، ويصبح من يمارسون الاجتثاث والتطهير والتعقيم وسائر هذه السلالة من مصطلحات معجم الاستحواذ والاقصاء هم شهاب الدين وقد عاد باسم جديد وحاشية جديدة، وللاسف بدأنا نلاحظ بواكير هذا التكرار في بعض العواصم العربية، بحيث يستحوذ على الاعلام المكتوب والمرئي والمسموع وحتى المشموم شريحة محددة، وكأن التركة هي غنائم، ولا ندري كيف يجد هؤلاء الوقت ليديروا الصحف اليومية ويقدموا البرامج الحوارية الفضائية يومياً وكأن البلاد التي أنجبتهم استأصلت رحمها بعدهم، رغم اننا نعرف وعن كثب ان هناك المئات وربما الالوف من الموهوبين في كل شيء الا العلاقات العامة والمهارة الحربائية يقضمون اظافرهم من البطالة والفراغ.
ان التغيير كثمرة لأي حراك ليس تكريساً لثقافة الاستحواذ أو اعادة انتاج الماضي لكن طريقة «نيو لوك» وكان عبدالناصر في أعوامه الاولى كرئيس قد لاحظ ذلك، فقال في احدى خطاباته الشعبية نكتة عن رجل كان اسمه أحمد الجحش، وحين خجل من اسمه وألح عليه الناس بتغييره، فعل ذلك وذهب ليبشر أمه بأنه أصبح سعيد الجحش!!
ان ما يستحق الاستئصال والاجتثاث والحراك هو ثقافة وليس أشخاصاً، لأن بقاء هذه الثقافة بكل افرازاتها السامة سيضمن لنا سلالة من الطغاة والمحتكرين الى الابد.
فالعلاج اذا اقتصر على بثور على سطح الجلد لا قيمة له، لان هناك صلة عضوية بين هذه البثور المتقيحة على السطح وبين الدورة الدموية.
اما اذا صدقت تلك الموعظة التي تكثف اليأس حتى القنوط وهي فالج لا تعالج، فمعنى ذلك أننا سنظل نراوح في الدائرة ذاتها وبالذهنية ذاتها، ولا نفعل غير تغيير زيد بعبيد أو فلان بعلان، نرجو من اخواننا أصحاب شعارات الاجتثاث والاستئصال ومطاردة الفلول ان ينتبهوا الى هذه الظاهرة الوبائية، بحيث يكون نمونا السياسي والاجتماعي دائرياً وتنويعاً مضجراً على الوتر الرث ذاته!!
( الدستور )
وقد عالج هذا الشجن المزمن العديد من الكتاب العرب اضافة الى السينما والمسرح, وقد تكون رواية الشطار للراحل شلبي والتي تحولت الى فلم سينمائي هي النموذج الابرز لرصد هذه الظاهرة الوبائية، فالشطار موجودون في كل زمان ومكان ولديهم القدرة والمهارة على تغيير الاقنعة وحتى الجلود اكثر من الحرباء، لكن الفارق هو ان الحرباء حيوان بريء يغير لونه من الخوف ودفاعاً عن حقه في البقاء، بينما هؤلاء يغيرون جلودهم كي يخدعوا الآخرين ويأكلوا لحومهم أحياء وموتى!
ما نخشاه بعد كل هذا الحراك وعواصف التغيير ان تتكرر الحكاية ذاتها، ويصبح من يمارسون الاجتثاث والتطهير والتعقيم وسائر هذه السلالة من مصطلحات معجم الاستحواذ والاقصاء هم شهاب الدين وقد عاد باسم جديد وحاشية جديدة، وللاسف بدأنا نلاحظ بواكير هذا التكرار في بعض العواصم العربية، بحيث يستحوذ على الاعلام المكتوب والمرئي والمسموع وحتى المشموم شريحة محددة، وكأن التركة هي غنائم، ولا ندري كيف يجد هؤلاء الوقت ليديروا الصحف اليومية ويقدموا البرامج الحوارية الفضائية يومياً وكأن البلاد التي أنجبتهم استأصلت رحمها بعدهم، رغم اننا نعرف وعن كثب ان هناك المئات وربما الالوف من الموهوبين في كل شيء الا العلاقات العامة والمهارة الحربائية يقضمون اظافرهم من البطالة والفراغ.
ان التغيير كثمرة لأي حراك ليس تكريساً لثقافة الاستحواذ أو اعادة انتاج الماضي لكن طريقة «نيو لوك» وكان عبدالناصر في أعوامه الاولى كرئيس قد لاحظ ذلك، فقال في احدى خطاباته الشعبية نكتة عن رجل كان اسمه أحمد الجحش، وحين خجل من اسمه وألح عليه الناس بتغييره، فعل ذلك وذهب ليبشر أمه بأنه أصبح سعيد الجحش!!
ان ما يستحق الاستئصال والاجتثاث والحراك هو ثقافة وليس أشخاصاً، لأن بقاء هذه الثقافة بكل افرازاتها السامة سيضمن لنا سلالة من الطغاة والمحتكرين الى الابد.
فالعلاج اذا اقتصر على بثور على سطح الجلد لا قيمة له، لان هناك صلة عضوية بين هذه البثور المتقيحة على السطح وبين الدورة الدموية.
اما اذا صدقت تلك الموعظة التي تكثف اليأس حتى القنوط وهي فالج لا تعالج، فمعنى ذلك أننا سنظل نراوح في الدائرة ذاتها وبالذهنية ذاتها، ولا نفعل غير تغيير زيد بعبيد أو فلان بعلان، نرجو من اخواننا أصحاب شعارات الاجتثاث والاستئصال ومطاردة الفلول ان ينتبهوا الى هذه الظاهرة الوبائية، بحيث يكون نمونا السياسي والاجتماعي دائرياً وتنويعاً مضجراً على الوتر الرث ذاته!!
( الدستور )