ثلاثة استحقاقات حاسمة

خلال الساعات القادمة، يضع ملايين الأردنيين أيديهم على قلوبهم خوفا وقلقا على المستقبل القريب، ونحن أمام ثلاثة استحقاقات مفصلية تُحسم هذا الأسبوع، وتَختبر بعمق مدى قوة الدولة الأردنية في مواجهة التحديات، كذلك مدى قدرتها على التجدد والتكيف مع الأزمات بعد مرحلة طويلة من التعثر وفقدان البوصلة.
ينتظر الأردنيون بقلق الحكومة الانتقالية هذه المرة بما يفوق ويتجاوز حالة الاعتياد على هرولة الحكومات ومرورها السريع على الدوار الرابع، ما يجعل الحاجة إلى رئيس مختلف وفريق وزاري مختلف هي الاستحقاق الأول الذي ينتظره الناس. يأتي ذلك بعد خمس حكومات عبرت خلال أقل من عام ونصف العام بدون أن تُحدث أبسط متطلبات التغيير، بل عقّدت الأزمة السياسية الداخلية، وفاقمت الأزمة الاقتصادية المتراكمة، وزادت من الفجوات بين الناس أنفسهم وبين المجتمع والدولة، وأوصلت حالة الاحتقان على النخب الحكومية والخوف على الدولة إلى درجة غير مسبوقة.
الاستحقاق الثاني ضمان نزاهة الانتخابات القادمة. وهذا الأمر مرتبط عمليا بشخص الرئيس الجديد؛ بتاريخه في النزاهة، ومدى تعبير سيرته المهنية عن الكفاءة والنزاهة معا، والبعد عن اللعب تحت الطاولة وعن الأعطيات والصدقات. فالشارع العريض من المجتمع الأردني ذهب إلى التسجيل والحصول على بطاقة انتخابية وهو يعلم أن الانتخابات تجرى وفق قانون تجاوزه المجتمع الأردني، ولا يليق بوعيه وبخبرته السياسية، فيما الرهان الحقيقي على نزاهة الانتخابات بوجود الهيئة المستقلة للانتخاب. ولكن، عمليا، تبقى الحكومة هي أحد أهم الضمانات الفعلية لنزاهة الانتخابات، ولا يوجد عاقل يعتقد أن الناس سوف يحتملون مرة أخرى التزوير.
أما الاستحقاق الثالث الذي لا يقل أهمية وتعقيدا، فهو رفع الأسعار المرتبط بقرارات حكومية برفع الدعم عن بعض السلع. إذ حاول البعض تصوير المسألة بأن مجرد من يتخذ القرار هو الحكومة المغادرة في حفلة الوداع، أما الحكومة الجديدة ففي حفل الاستقبال. والجوهري في هذا الاستحقاق أن الشارع يعلم حجم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وهو على استعداد لأن يتحمل بعض آلامها إذا ما تحملت الدولة مسؤوليتها في تبني حزمة متكاملة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، تُشعر الناس أن تعبهم لا ينهب وصبرهم لا يسرق.
حالة الشعور بفقدان الوزن والفوضى والرضوخ للاستقواء والاعتماد على الاسترضاء، وصلت إلى حدود غير مسبوقة في الإدارة الحكومية وفي المؤسسات العامة، وولدت حالة موازية من فقدان الردع العام، الأمر الذي فاقم الاحتقان. ويكفي أن نقرأ هذه الحالة لدى المستوى الثاني من المسؤولين في الإدارة العامة، إذ لا حول ولا قوة لهم وهم يراقبون المؤسسات التي بنيت على أكتافهم كيف يدب الضعف فيها بغياب القانون، وبانتهاك استقلاليتها، وباستبعاد الكفاءات منها.
يحاول الخطاب الإعلامي الرسمي، والخطاب الموازي في وسائل إعلام المعارضة والوسائل المستقلة، في هذا الوقت، اختصار الأزمة الداخلية في العلاقة بين الدولة والمعارضة الإسلامية، إذ تتردد الاجتهادات بالبحث عن رئيس وزراء قادر على إدارة الصفقات، بينما الأزمة الأكبر، في علاقة الدولة بالمجتمع، وأزمة تراجع كفاءة الدولة التي أنهكها هذا النمط من الصفقات، هي آخر ما يحسب حسابه. الناس لا ينتظرون أن يشاهدوا أعواد مشانق معلقة في ساحة النخيل للفاسدين، ولا حكومة ثورية تلغي معاهدة وادي عربة وتؤمم الشركات، بل مجرد إجراءات قانونية وقضائية جادة وحاسمة تعيد معنويا التوازن الاجتماعي، وتذكر بالحاجة إلى الحكم الرشيد؛ فالاستمرار في تفريغ الحالة السياسية بتقليب ملفات الفساد، وتقليب الحكومات بدون حسم جاد أو تغيير حقيقي غير مجد.
( الغد )